إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَلَمَّا جَآءَ أَمۡرُنَا نَجَّيۡنَا هُودٗا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ بِرَحۡمَةٖ مِّنَّا وَنَجَّيۡنَٰهُم مِّنۡ عَذَابٍ غَلِيظٖ} (58)

{ وَلَمَّا جَاءَ أَمرُنَا } أي نزل عذابُنا ، وفي التعبير عنه بالأمر مضافاً إلى ضميره جل جلاله وعن نزوله بالمجيء ما لا يخفى من التفخيم والتهويلِ أو ورد أمرُنا بالعذاب { نَجَّيْنَا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ } وكانوا أربعةَ آلافٍ { بِرَحْمَةٍ } عظيمةٍ كائنةٍ لهم { مِنَّا } وهي الإيمانُ الذي أنعمنا به عليهم بالتوفيق له والهدايةِ إليه { وَنَجَّيْنَاهُم منْ عَذَابٍ غَلِيظٍ } أي كانت تلك التنجيةُ تنجيةً من عذاب غليظ وهي السَّمومُ التي كانت تدخل أنوفَ الكفرة وتخرج من أدبارهم فتقطعهم إرْباً إرْباً ، وقيل : أريد بالثانية التنجيةُ من عذاب الآخرةِ ولا عذابَ أغلظُ وأشدُّ ، وهذه التنجيةُ وإن لم تكن مقيدةً بمجيء الأمرِ لكن جيء بها تكملةً للنعمة عليهم وتعريضاً بأن المهلَكين كما عُذّبوا في الدنيا بالسَّموم فهم معذبون في الآخرة بالعذاب الغليظ .