إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{بَلَىٰۚ مَن كَسَبَ سَيِّئَةٗ وَأَحَٰطَتۡ بِهِۦ خَطِيٓـَٔتُهُۥ فَأُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (81)

{ بلى } إلى آخره ، جوابٌ عن قولهم المحكيِّ وإبطالٌ له من جهته تعالى وبيانٌ لحقيقة الحالِ تفصيلاً في ضمن تشريعٍ كليَ شاملٍ لهم ولسائر الكَفَرة بعد إظهار كذِبِهم إجمالاً ، وتفويضُ ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم لما أن المُحاجَّةَ والإلزامَ من وظائفه عليه السلام مع ما فيه من الإشعار بأنه أمرٌ هيِّنٌ لا يتوقف على التوقيف ، وبلى حرفُ إيجابٍ مختصٌّ بجواب النفي خبراً واستفهاماً { مَن كَسَبَ سَيّئَةً } فاحشةً من السيئات أي كبيرةً من الكبائر كدأب هؤلاء الكَفَرة ، والكسبُ استجلابُ النفعِ ، وتعليقُه بالسيئة على طريقة فبشِّرْهم بعذاب أليم { وأحاطت بِهِ } من جميع جوانبِه بحيث لم يبقَ له جانبٌ من قلبه ولسانه وجوارحِه إلا وقد اشتملت واستولت عليه { خَطِيئَتُهُ } التي كسَبها وصارت خاصةً من خواصّه كما تُنبئ عنه الإضافةُ إليه ، وهذا إنما يتحقق في الكافر ، ولذلك فسرها السلفُ بالكفر حسبما أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهم وابنُ جرير عن أبي وائل ومجاهدٌ وقَتادةُ وعطاءٌ والربيعُ وقيل : السيئةُ الكفرُ والخطيئةُ الكبيرة ، وقيل : بالعكس وقيل : الفرق بينهما أن الأُولى قد تطلق على ما يُقصَد بالذات والثانيةُ تغلِبُ على ما يُقصَدُ بالعَرَض لأنها من الخطأ . وقرئ خَطِيَّتُه وخطِيّاتُه على القلب والإدغام فيهما وخطيئاتُه وخَطاياه وفي ذلك إيذانٌ بكثرة فنون كفرهم { فَأُوْلَئِكَ } مبتدأ { أصحاب النار } خبرُه والجملةُ خبر للمبتدأ ، والفاءُ لتضمُّنه معنى الشرط ، وإيرادُ اسمِ الإشارة المنبئ عن استحضار المشارِ إليه بما لَه من الأوصاف للإشعار بعلِّيتها لصاحبيّة النار ، وما فيه من معنى البُعد للتنبيه على بُعد منزلتِهم في الكفر والخطايا ، وإنما أشير إليهم بعنوان الجَمْعية مراعاةً لجانب المعنى في كلمة ( مَنْ ) بعدَ مراعاة جانبِ اللفظ في الضمائر الثلاثةِ لما أن ذلك هو المناسبُ لما أسند إليهم في تَيْنِك الحالتين ، فإن كسْبَ السيئة وإحاطة خطيئتِه به في حالة الانفراد ، وصاحبيّةَ النارِ في حالة الاجتماع أي أولئك الموصوفون بما ذكر من كسب السيئات وإحاطة خطاياهم بهم أصحابُ النار أي ملازموها في الآخرة حسب ملازمتهم في الدنيا لما يستوجبُها من الأسباب التي جملتها ما هم عليه من تكذيب آياتِ الله تعالى وتحريفِ كلامِه والافتراءِ عليه وغيرِ ذلك ، وإنما لم يُخَصَّ الجوابُ بحالهم بأن يقال مثلاً : بلى إنهم أصحابُ النار الخ لما في التعميم من التهويل وبيانِ حالِهم بالبرهان والدليل ، مع ما مر من قصد الإشعار بالتعليل { هُمْ فِيهَا خالدون } دائماً أبداً فأنَّى لهم التفَصِّي عنها بعد سبعة أيام أو أربعين كما زعموا فلا حجةَ في الآية الكريمة على خلود صاحبِ الكبيرة لما عرفت من اختصاصها بالكافر ، ولا حاجة إلى حمل الخلودِ على اللُبْث الطويل على أن فيه تهوينَ الخطب في مقام التهويل .