إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ٱرۡتَابُوٓاْ أَمۡ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ وَرَسُولُهُۥۚ بَلۡ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (50)

{ أفي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ } إنكارٌ واستقباحٌ لإعراضِهم المذكورِ وبيانٌ لمنشئه بعد استقصاء عدَّةٍ من القبائح المحقَّقةِ فيهم والمتوقَّعةِ منهم وترديدِ المنشئية بينها فمدارُ الاستفهام ليس نفسَ ما وليتْه الهمزةُ وأَمْ من الأمورِ الثَّلاثة بل هو منشئيتها له كأنَّه قيل : أذلك أي إعراضُهم المذكورُ لأنَّهم مرضى القلوبِ لكفرِهم ونفاقِهم .

{ أَمْ } لأنَّهم { ارتابوا } في أمر نُبوَّتِه عليه السَّلامُ مع ظهور حقيَّتِها { أَمْ } لأنَّهم { يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ الله عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ } ثمَّ أُضربَ عن الكلِّ وأُبطلت منشئيَّتُه وحُكم بأنَّ المنشأَ شيءٌ آخرُ من شنائعِهم حيثُ قيلَ : { بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظالمون } أي ليسَ ذلك لشيءٍ ممَّا ذُكر ، أمَّا الأوَّلانِ فلأنَّه لو كان لشيءٍ منهما لأعرضُوا عنه عليه السَّلامُ عند كونِ الحقِّ لهم ولمَا أتَوا أليه عليه السَّلامُ مُذعنينَ لحُكمِه لتحقُّقِ نفاقِهم وارتيابِهم حينئذٍ أيضاً وأمَّا الثَّالثُ فلانتفائِه رأساً حيثُ كانُوا لا يخافون الحيفَ أصلاً لمعرفتِهم بتفاصيلِ أحوالِه عليه السَّلامُ في الأمانةِ والثَّباتِ على الحقِّ بل لأنَّهم هم الظالمون يُريدون أنْ يظلمُوا مَن له الحقُّ عليهم ويتمُّ لهم جحودُه فيأبون المحاكمةَ إليه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لعلمِهم بأنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ يقضي عليهم بالحقِّ فمناطُ النَّفيِ المُستفادِ من الإضراب في الأوَّلينِ هو وصف منشئيَّتِهما للإعراضِ فقط مع تحقُّقِهما في نفسِهما وفي الثَّالثِ هو الأصلُ والوصف جميعاً هذا وقد خُصَّ الارتيابُ بما له منشأٌ مصححٍ لعروضِه لهم في الجُملةِ والمعنى أمِ ارتابُوا بأنْ رَأَوا منه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ تُهمةً فزالتْ ثقتُهم ويقينُهم به عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فمدارُ النَّفيِ حينئذٍ نفسُ الارتيابِ ومنشئيَّتُه معاً فتأمَّل فيما ذُكر على التَّفصيلِ ودَعْ عنك ما قيل وقيل حسبما يقتضيه النَّظرُ الجليلُ .