وقولُه تعالى : { رِجَالٌ } فاعلُ يسبِّح ، وتأخيرُه عن الظُّروفِ لما مرَّ مراراً من الاعتناءِ بالمقدَّم والتَّشويق إلى المؤخَّر ولأنَّ في وصفه نوع طُولٍ فيُخلُّ تقديمُه بحسن الانتظام . وقرئ يُسبِّح على البناء للمفعول بإسناده إلى أحد الظُّروف . ورجالٌ مرفوعٌ بما ينبئ عنه حكايةُ الفعلِ من غير تسميةِ الفاعل على طريقة قوله : [ الطويل ]
ليُبكَ يزيدُ ضارعٌ لخصومةٍ{[584]} *** [ ومختبط مما تطيح الطوائح ]
كأنه قيل : مَنْ يُسبِّح له ؟ فقيل : يُسبِّح له رجالٌ . وقرئ تُسبِّح بتأنيثِ الفعلِ مبنيًّا للفاعلِ لأنَّ جمعَ التَّكسيرِ قد يُعامل معاملةَ المؤنَّثِ ومبنياً للمفعول على أنْ يُسندَ إلى أوقات العُدوِّ والآصالِ بزيادة الباءِ وتجعلُ الأوقاتُ مسبِّحةً مع كونِها فيها أو يُسند إلى ضميرِ التَّسبيحةِ أي تُسبَّح له التَّسبيحةُ على المجازِ المسوِّغ لإسناده إلى الوقتينِ كما خرَّجُوا قراءة أبي جَعفرٍ ليُجزَى قوماً أي ليُجزَى الجزاءُ قَوْماً بل هذا أولى من ذلك إذْ ليس هنا مفعولٌ صريحٌ { لاَّ تُلْهِيهِمْ تجارة } صفةٌ لرجالٌ مؤكِّدةٌ لما أفادَه التَّنكيرُ من الفخامةِ مفيدةٌ لكمال تبتُّلِهم إلى الله تعالى واتغراقهم فيما حُكي عنهم من ييالتَّسبيحِ من غير صارفٍ يلويهم ولا عاطفٍ يثنيهم كائناً ما كان وتخصيصُ التِّجارةِ بالذِّكرِ لكونِها أقوى الصَّوارفِ عندهم وأشهرَها أي لا يشغلُهم نوعٌ من أنواعِ التِّجارةِ { وَلاَ بَيْعٌ } أي ولا فردٌ من أفراد البياعاتِ وإنْ كان في غايةِ الرِّبحِ . وإفرادُه بالذِّكرِ مع اندراجِه تحت التِّجارة للإيذانِ بإنافتِه على سائرِ أنواعِها لأنَّ ربحَهُ متيقَّنٌ ناجزٌ وربحُ ما عداه متوقَّعٌ في ثاني الحال عند البيع فلم يلزمْ من نفيِ إلهاءِ ما عداه نفيُ إلهائِه ولذلك كُرِّرت كلمةُ لا لتذكيرِ النَّفيِ وتأكيدِه وقد نُقل عن الواقديِّ أنَّ المرادَ بالتِّجارة هو الشِّراءُ لأنَّه أصلُها ومبدؤها . وقيل : هو الجَلَبُ لأنَّه الغالبُ فيها ومنه يُقال : تَجَر في كَذا أي جَلَبه .
{ عَن ذِكْرِ الله } بالتَّسبيحِ والتَّحميدِ { وإِقَامِ الصلاة } أي إقامتِها لمواقيتها من غير تأخيرٍ وقد أُسقطتْ التَّاءُ المُعوِّضةُ عن العينِ السَّاقطةِ بالإعلال وعُوِّض عنها الإضافةُ كما في قوله : [ البسيط ]
[ إن الخليط أجدوا البين فانجردوا ] *** وَأَخْلفُوك عِدَ الأَمْرِ الذي وَعدُوا{[585]}
أي عدةَ الأمرِ { وإيتاء الزكاة } أي المال الذي فُرض إخراجُه للمستحقِّين ، وإيرادُه هاهنا وإنْ لم يكن ممَّا يُفعل في البيوت لكونِه قرينةً لا تُفارق إقامةَ الصَّلاةِ في عامَّة المواضع مع ما فيه من التَّنبيه على أنَّ محاسنَ أعمالِهم غيرُ منحصرةٍ فيما يقعُ في المساجدِ وكذلك قوله تعالى : { يَخَافُونَ } الخ ، فإنه صفةٌ ثانيةٌ لرجالٌ أو حالٌ من مفعول لا تُلهيهم ، وأيًّا ما كان فليس خوفُهم مقصُوراً على كونِهم في المساجد وقوله تعالى : { يَوْماً } مفعولُ ليخافون لا ظرفٌ له . وقولُه تعالى : { تَتَقَلَّبُ فِيهِ القلوب والأبصار } صفةٌ ليوماً أي تضطربُ وتتغيرُ في أنفسها من الهول والفزعِ وتشخصُ كما في قولِه تعالى :
{ وَإِذْ زَاغَتِ الأبصار وَبَلَغَتِ القلوب الحناجر } أو تتغيرُ أحوالُها وتتقلَّب فتتفقّه القلوبُ بعد أن كانتْ مطبوعاً عليها وتُبصر الأبصارُ بعد أنْ كانت عمياءَ أو تتقلَّب القلوبُ بين توقُّعِ النَّجاةِ وخوفِ الهلاكِ والإبصار من أيِّ ناحيةٍ يُؤخذ بهم ويُؤتى كتابُهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.