إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{يَٰقَوۡمِ لَكُمُ ٱلۡمُلۡكُ ٱلۡيَوۡمَ ظَٰهِرِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِنۢ بَأۡسِ ٱللَّهِ إِن جَآءَنَاۚ قَالَ فِرۡعَوۡنُ مَآ أُرِيكُمۡ إِلَّا مَآ أَرَىٰ وَمَآ أَهۡدِيكُمۡ إِلَّا سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ} (29)

{ يا قوم لَكُمُ الملك اليوم ظاهرين } غالبينَ عالينَ عَلى بني إسرائيلَ { فِي الأرض } أي أرضِ مصرَ لا يُقاومكُم أحدٌ في هذا الوقتِ { فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ الله } من أخذِه وعذابِه . { إِن جَاءنَا } أي فَلاَ تُفسدُوا أمرَكُم ولا تتعرضُوا لبأسِ الله بقتلِه فإنَّه إنْ جاءَنا لم يمنعنا منه أحدٌ وإنَّما نسبَ ما يسرُّهم من المُلكِ والظهورِ في الأرضِ إليهم خَاصَّة ونظمَ نفسَهُ في سلكِهم فيما يسوؤُهم من مجيء بأسِ الله تعالى تطييباً لقلوبِهم وإيذاناً بأنَّه ناصحٌ لهم ساعٍ في تحصيلِ ما يُجديهم ودفعِ ما يُرديهم سعيَهُ في حقِّ نفسِه ليُتأثرَ بنصحِه .

{ قَالَ فِرْعَوْنُ } بعدما سَمِع نُصحَهُ { مَا أُرِيكُمْ } أيْ ما أُشيرُ عليكُم { إِلاَّ مَا أرى } وأستصوبُهُ مِنْ قتلِه { وَمَا أَهْدِيكُمْ } بهذَا الرَّأي { إِلاَّ سَبِيلَ الرشاد } أي الصوابِ ، أو لا أُعلِّمُكم إلاَّ ما أعلمُ ولا أُسرُّ عنكُم خلافَ ما أُظهرُهُ ، ولقدْ كذبَ حيثُ كانَ مستشعراً للخوفِ الشديدِ ولكنَّه كان يتجلدُ ولولاهُ لما استشارَ أحداً أبداً . وقرئ بتشديدِ الشِّينِ للمبالغةِ من رشُد كعلاّم أو من رشَد كعبّاد لا من أرشد كجبار من أجبر لأنه مقصورٌ على السماع أو للنسبة إلى الرُّشْد كعوّاج وبتَّات غيرَ منظور فيه إلى فَعْل .