إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَأُمۡلِي لَهُمۡۚ إِنَّ كَيۡدِي مَتِينٌ} (183)

{ وَأُمْلِى لَهُمْ } عطفٌ على سنستدرجهم غيرُ داخلٍ في حكم السين ، لِما أن الإملاء الذي هو عبارةٌ عن الإمهال والإطالةِ ليس من الأمور التدريجية كالاستدراج الحاصلِ في نفسه شيئاً فشيئاً ، بل هو فعلٌ يحصُل دفعةً ، وإنما الحاصلُ بطريق التدريج آثارهُ وأحكامهُ لا نفسُه كما يلوح به تغييرُ التعبيرِ بتوحيد الضميرِ مع ما فيه من الافتتان المنبيءِ عن مزيد الاعتناءِ بمضمون الكلامِ لابتنائه على تجديد القصدِ والعزيمة ، وأما أن ذلك للإشعار بأنه بمحض التقديرِ الإلهي والاستدراجِ بتوسط المدبّرات فمبْناه دِلالةُ نونِ العظمةِ على الشركة وأنى ذلك ، وإلا لاحتُرز عن إيرادها في قوله تعالى : { وَلاَ يَحْسَبَنَّ الذين كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ } [ آل عمران : 178 ] الآية ، بل إنما إيرادُها في أمثال هذه المواردِ بطريق الجَرَيانِ على سننِ الكبرياء { إِن كَيْدِى مَتِينٌ } تقريرٌ للوعيد وتأكيدٌ له أي قويٌّ لا يُدافع بقوة ولا بحيلة ، والمرادُ به إما الاستدراج والإملاءُ مع نتيجتهما التي هي الآخذُ الشديدُ على غِرّة فتسميتُه كيداً لما أن ظاهرَه لطفٌ وباطنَه قهرٌ ، وإما نفسُ ذلك الأخذِ فقط فالتسميةُ لكون مقدماتِه كذلك ، وأما أن حقيقةَ الكيدِ ، هو الأخذُ على خفاء من غير أن يُعتبر فيه إظهارُ خلافِ ما أبطنه فمما لا تعويلَ عليه مع عدم مناسبتِه للمقام ضرورةَ استدعائِه لاعتبار القيدِ المذكورِ حتماً .