إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَمِمَّنۡ خَلَقۡنَآ أُمَّةٞ يَهۡدُونَ بِٱلۡحَقِّ وَبِهِۦ يَعۡدِلُونَ} (181)

{ وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق وَبِهِ يَعْدِلُونَ } بيانٌ إجماليٌّ لحال مَنْ عدا المذكورين من الثقلين الموصوفين بما ذُكر من الضلال والإلحادِ عن الحق ، ومحلُّ الظرفِ الرفعُ على أنه مبتدأ ، إما باعتبار مضمونِه أو بتقدير الموصوفِ وما بعده خبرُه كما مر في تفسير قوله تعالى : { وَمِنَ الناس } الخ ، أي وبعضُ مَنْ خلقنا أو وبعض ممن خلقنا أمةٌ أي طائفةٌ كثيرةٌ يهدون الناسَ ملتبسين بالحق أو يهدونهم بكلمة الحقِّ ويدلونهم على الاستقامة ، وبالحق يحكمون في الحكومات الجاريةِ فيما بينهم ولا يجورون فيها .

عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا قرأها : «هذه لكم وقد أُعْطي بين أيديكم مثلها » . ( ومن قوم موسى أمة ) الآية . وعنه عليه الصلاة والسلام : «إن من أمتي قوماً على الحق حتى ينزل عيسى » وروي : «لا تزال من أمتي طائفةٌ على الحق إلى أن يأتي أمرُ الله » وروي : «لا تزال من أمتي أمةٌ قائمةً بأمر الله لا يضرُهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتيَ أمرُ الله وهم ظاهرون » وفيه من الدلالة على صحة الإجماعِ ما لا يخفي . والاقتصارُ على نعتهم بهداية الناس للإيذان بأن اهتداءهم في أنفسهم أمرٌ محققٌ غنيٌّ عن التصريح به .