جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالَ إِنَّمَآ أَنَا۠ رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَٰمٗا زَكِيّٗا} (19)

يقول تعالى ذكره : فقال لها روحنا : إنما أنا رسول ربك يا مريم أرسلني إليك لأهَبَ لكِ غُلاما زكيا .

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامّة قرّاء الحجاز والعراق غير أبي عمرو : لاِءَهَبَ لَكِ بمعنى : إنما أنا رسول ربك : يقول : أرسلني إليك لأهب لك غُلاَما زَكِيّا على الحكاية . وقرأ ذلك أبو عمرو بن العلاء : «لِيَهَبَ لَكِ غُلاما زَكِيّا » بمعنى : إنما أنا رسول ربك أرسلني إليك ليهب الله لك غلاما زكيا .

قال أبو جعفر : والصواب من القراءة في ذلك ، ما عليه قرّاء الأمصار ، وهو لاِءَهَبَ لَكِ بالألف دون الياء ، لأن ذلك كذلك في مصاحف المسلمين ، وعليه قراءة قديمهم وحديثهم ، غير أبي عمرو ، وغير جائز خلافهم فيما أجمعوا عليه ، ولا سائغ لأحد خلاف مصاحفهم ، والغلام الزكيّ : هو الطاهر من الذنوب وكذلك تقول العرب : غلام زاكٍ وزكيّ ، وعال وعليّ .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ إِنَّمَآ أَنَا۠ رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَٰمٗا زَكِيّٗا} (19)

القصر في قوله : { إنَّما أنا رسولُ ربّكِ } قصر إضافي ، أي لستُ بشراً ، رداً على قولها : { إن كنت تقياً } المقتضي اعتقادها أنه بشر .

وقرأ الجمهور { لأَهَبَ } بهمزة المتكلم بعد لام العلّة . ومعنى إسناد الهبة إلى نفسه مجاز عقلي لأنه سبب هذه الهبة . وقرأه أبو عمرو ، وورش عن نافع { ليهب } بياء الغائب ، أي ليهب ربّك لك ، مع أنها مكتوبة في المصحف بألف . وعندي أن قراءة هؤلاء بالياء بعد اللام إنما هي نطق الهمزة المخففة بعد كسر اللام بصورة نطق الياء .

ومحاورتها الملك محاولة قصدت بها صرفه عما جاء لأجله ، لأنها علمت أنّه مرسل من الله فأرادت مراجعة ربّها في أمر لم تطقه ، كما راجعه إبراهيم عليه السلام في قوم لوط ، وكما راجعه محمد عليه الصلاة والسلام في فرض خمسين صلاة . ومعنى المحاورة أن ذلك يجر لها ضرّاً عظيماً إذ هي مخطوبة لرجل ولم يَبْننِ بها فكيف يتلقى الناس منها الإتيان بولد من غير أب معروف .