السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{قَالَ إِنَّمَآ أَنَا۠ رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَٰمٗا زَكِيّٗا} (19)

ولما علم جبريل عليه السلام خوفها { قال } مجيباً لها بما معناه : إني لست ممن تخشين أن يكون متهماً مؤكداً لأجل استعاذتها { إنما أنا رسول ربك } أي : الذي عذت به فأنا لست متهماً بل متصف بما ذكرت وزيادة الرسالة وعبر باسم الرب المقتضى للإحسان لطفاً بها ، ولأن هذه السورة مصدرة بالرحمة ومن أعظم مقاصدها تعداد النعم على خلص عباده وقوله : { ليهب لك } قرأ ورش وأبو عمرو وقالون بخلاف عنه بالياء أي : ليهب اللّه تعالى لك ، وقرأ الباقون بالهمز أي : لأهب أنا لك وفي مجازه وجهان ، الأول : أن الهبة لما جرت على يده بأن كان هو الذي ينفخ في جيبها بأمر اللّه تعالى جعل نفسه كأنه هو الذي وهب لها وإضافة الفعل إلى من هو سبب مستعمل ، قال اللّه تعالى في الأصنام : { رب إنهن أضللن كثيراً من الناس } [ إبراهيم ، 36 ] ، الثاني : أن جبريل عليه السلام لما بشرها بذلك كانت البشارة الصادقة جارية مجرى الهبة . ثم بيّن الموهوب بقوله : { غلاماً } أي : ولداً ذكراً في غاية القوة والرجولية ثم وصفه بقوله : { زكياً } أي : نبياً طاهراً من كل ما يدنس البشر نامياً على الخير والبركة .