اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالَ إِنَّمَآ أَنَا۠ رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَٰمٗا زَكِيّٗا} (19)

قوله تعالى : { لأهَبَ } : قرأ نافعٌ ، وأبو عمرو{[21489]} " ليَهَبَ " بالياء والباقون " لأهَبَ " بالهمزة ، فالأولى : الظاهرُ فيها أنَّ الضمير للرَّبِّ ، أي : ليهبَ الرَّبُّ ، وقيل : الأصلُ : لأهَبَ ، بالهمز ، وإنما قلبتِ الهمزةُ ياءً تخفيفاً ؛ لأنها مفتوحةٌ بعد كسرةٍ ، فتتفِقُ القراءتان ، وفيه بعدٌ ، وأمَّا الثانية ، فالضميرُ للمتكلِّم ، والمراد به الملكُ ، وأسنده لنفسه ؛ لأنه سببٌ فيه ويؤيده : أن في بعض المصاحف : " أمرني أن أهب لك " ؛ ويجوز أن يكون الضمير لله تعالى ، ويكون على الحكاية بقولٍ محذوف .

قوله تعالى : { قَالَ إِنَّمَآ أَنَاْ رَسُولُ رَبِّكِ لاًّهَبَ لَكِ غُلاَماً زَكِيّاً } .

فصل

لما علم جبريلُ -صلوات الله عليه- خوفها ، قال : { إِنَّمَآ أَنَاْ رَسُولُ رَبِّكِ } ؛ ليزول عنها ذلك الخوف ، ولكن الخوف لا يزولُ بمجرَّدِ هذا القول ، بل لا بدَّ من دلالةٍ تدلُّ على أنه كان جبريل -صلوات الله عليه- ، فيحتمل أن يكون قد ظهر معجزٌ ، عرفت به أنَِّه جبريلُ -صلوات الله عليه- ، ويحتمل أنَّها عرفت صفة الملائكة من جهة زكريَّا -صلوات الله عليه- فلمَّا قال لها : { إِنَّمَآ أَنَاْ رَسُولُ رَبِّكِ } أظهر لها من جسده ما عرفت به أنَّه ملكٌ ؛ فيكونُ ذلك هو العلمَ ، والذي يظهر أنَّها كانت تعرفُ صفة الملك بالأمارات ، حين كان يأتيها بالرِّزْق في المحراب ، وقال لها زكريَّا : { يا مريم أنى لَكِ هذا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ الله } [ آل عمران : 37 ] .

قوله : { غُلاَماً زَكِيّاً } ولداً صالحاً طاهراً من الذُّنوب .


[21489]:ينظر: السبعة 408؛ والنشر 2/317، والتيسير 148، والإتحاف 2/234، والحجة للقراء السبعة 5/195، والحجة 440، وإعراب القراءات 2/14، والبحر 6/170، والدر المصون 4/496.