جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّآ ءَامَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغۡفِرَ لَنَا خَطَٰيَٰنَا وَمَآ أَكۡرَهۡتَنَا عَلَيۡهِ مِنَ ٱلسِّحۡرِۗ وَٱللَّهُ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰٓ} (73)

وقوله : " إنّا آمَنّا بِرَبّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا " يقول تعالى ذكره : إنا أقررنا بتوحيد ربنا ، وصدقنا بوعده ووعيده . وأن ما جاء به موسى حقّ " لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا " يقول : ليعفو لنا عن ذنوبنا فيسترها علينا " وَما أكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِن السّحْرِ " يقول : ليغفر لنا ذنوبنا ، وتعلمنا ما تعلمناه من السحر ، وعملنا به الذي أكرهتنا على تعلّمه والعمل به . وذُكر أن فرعون كان أخذهم بتعليم السحر . ذكر من قال ذلك :

حدثني موسى بن سهل ، قال : حدثنا نعيم بن حماد ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن أبي سعيد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قول الله تبارك وتعالى : " وَما أكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السّحْرِ " قال : غلمان دفعهم فرعون إلى السحرة ، تعلمهم السحر بالفَرَما .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " وَما أكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السّحْرِ " قال : أمرهم بتعلم السحر ، قال : تركوا كتاب الله ، وأمروا قومهم بتعليم السحر . " وَما أكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السّحْرِ " قال : أمرتنا أن نتعلمه .

وقوله : " وَاللّهُ خَيْرٌ وأبْقَى " يقول : والله خير منك يا فرعون جزاء لمن أطاعه ، وأبقى عذابا لمن عصاه وخالف أمره ، كما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق " وَاللّه خَيْرٌ وأبْقَى " : خير منك ثوابا ، وأبقى عذابا .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي معشر ، عن محمد بن كعب ، ومحمد بن قيس في قول الله : " وَاللّهُ خَيْرٌ وأبْقَى " قالا : خيرا منك إن أُطِيع ، وأبقى منك عذابا إن عُصي .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّآ ءَامَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغۡفِرَ لَنَا خَطَٰيَٰنَا وَمَآ أَكۡرَهۡتَنَا عَلَيۡهِ مِنَ ٱلسِّحۡرِۗ وَٱللَّهُ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰٓ} (73)

جملة { إنَّا آمَنَّا بِرَبنا } في محلّ العلّة لما تضمنه كلامهم .

ومعنى { وما أكْرَهْتَنَا عليْهِ مِنَ السِّحْرِ } أنه أكرههم على تحدّيهم موسى بسحرهم فعلموا أن فعلهم باطل وخطيئة لأنّه استعمل لإبطال إلهيّة الله ، فبذلك كان مستوجباً طلب المغفرة .

وجملة { والله خَيْرٌ وأبقى } في موضع الحال ، أو معترضة في آخر الكلام للتذييل . والمعنى : أنّ الله خير لنا بأن نؤثره منك ، والمراد : رضى الله ، وهو أبقى منك ، أي جزاؤه في الخير والشرّ أبقى من جزائك فلا يهولنا قولك { ولتعلمن أينا أشد عذاباً وأبقى } [ طه : 71 ] ، فذلك مقابلة لوعيده مقابلة تامة .