السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِنَّآ ءَامَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغۡفِرَ لَنَا خَطَٰيَٰنَا وَمَآ أَكۡرَهۡتَنَا عَلَيۡهِ مِنَ ٱلسِّحۡرِۗ وَٱللَّهُ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰٓ} (73)

ثم عللوا تعظيم الله تعالى ، واستهانتهم بفرعون بقولهم : { إنا آمنا بربنا } أي : المحسن إلينا طول أعمارنا مع إساءتنا بالكفر وغيره { ليغفر لنا } من غير نفع يلحقه بالفعل ، أو ضرر يدركه بالترك { خطايانا } التي قابلنا بها إحسانه ، ثم خصوا بعد العموم فقالوا : { وما أكرهتنا عليه } وبينوا ذلك بقولهم : { من السحر } لنعارض المعجزة ، فإنه كان الأكمل لنا عصيانك فيه ؛ لأن الله تعالى أحق بأن يتقى .

فإن قيل : كيف قالوا ذلك وقد جاؤوا مختارين يحلفون بعزة فرعون آن لهم الغلبة ؟ أجيب : بأنه قد روي أن رؤساء السحرة كانوا اثنين وسبعين اثنان من القبط والباقون من بني إسرائيل أكرههم فرعون على تعلم السحر ، وروي أنهم رأوا موسى عليه السلام نائماً ، وعصاه تحرسه ، فقالوا لفرعون : إن الساحر إذا نام بطل سحره ، فهذا لا نقدر على معارضته ، فأبى عليهم ، وأكرههم على المعارضة .

وقيل : إنَّ الملوك في ذلك الزمان كانوا يأخذون البعض من رعيتهم ، ويكلفونه تعلم السحر ، فإذا شاخ بعثوا إليه أحداثاً ليعلمهم ليكون في كل وقت من يحسنه . ولما كان التقدير فربنا أهل التقوى وأهل المغفرة عطفوا عليه مستحضرين لكماله { والله } أي : الجامع لصفات الكمال { خير } جزاء منك فيما وعدتنا به { وأبقى } ثواباً وعقاباً قال أبو حيان : والظاهر أن الله تعالى سلمهم من فرعون ، ويؤيده قوله تعالى : { ومن اتبعكما الغالبون } [ القصص ، 35 ] ، وقال الرازي : ليس في القرآن أنَّ فرعون فعل بأولئك القوم المؤمنين ما أوعدهم ، ولم يثبت في الأخبار ، وقال البقاعي : سيأتي في آخر الحديد ما هو صريح في نجاتهم ،