اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّآ ءَامَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغۡفِرَ لَنَا خَطَٰيَٰنَا وَمَآ أَكۡرَهۡتَنَا عَلَيۡهِ مِنَ ٱلسِّحۡرِۗ وَٱللَّهُ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰٓ} (73)

قوله : { وَمَا أَكْرَهْتَنَا } يجوز{[25685]} في " مَا " هذه وجهان :

أحدهما : أنها موصولة{[25686]} بمعنى " الَّذِي " ، وفي محلها احتمالان :

أحدهما : أنَّها منصوبة المحل نسقاً على " خَطَايَانَا " أي ليغفرَ لنا أيضاً الذي أكرهتنا{[25687]} . والاحتمال الثاني : أنَّها مرفوعة المحل على الابتداء ، والخبر محذوف تقديره : والذي أكرهتَنا عليه من السحر محطوط عنا ، أو لا يؤاخذ به ( ونحوه{[25688]} ){[25689]}

والوجه الثاني : أنَّها نافية ، قال أبو البقاء : وفي الكلام تقديم{[25690]} تقديره : ليغفر لنا خَطَايَانَا من السحر ولم تكرهنا عليه{[25691]} . وهذا بعيد عن المعنى ، والظاهر هو الأول{[25692]} . و " مِنَ السِّحْرِ " يجوز أن يكون حالاً من الهاء في " عَلَيْه " أو من الموصول{[25693]} . ويجوز أن تكون لبيان الجنس .

فصل{[25694]}

قال المفسِّرون : لَمَّا علم السحرة أنهم متى أصرُّوا على الإيمان أوقع بهم فرعون ما أوعدهم به فقالوا : " اقْضِ مَا أْنْتَ قَاضٍ " لا على وجه{[25695]} الأمر ، لكن أظهروا أنَّ ذلك الوعيد لا يزيلهم عن إيمانهم البتة ، ثم بيَّنُوا ما لأجله يسهل{[25696]} عليهم احتمال ذلك ، فقالوا : { إِنَّمَا تَقْضِي هذه الحياة الدنيآ } أي قضاؤك وحكمك أن يكون في هذه الحياة ( الدنيا ){[25697]} . وهي نافية تزول عن قريب ، ومطلوبنا سعادة الآخرة ، وهي باقية . والعقل يقتضي تحمل الضَّرَر الفاني للتوصل إلى السعادة الباقية . ثم قالوا : { إِنَّآ آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا } ، ولمَّا كان أقرب خطاياهم عهداً ما أظهروه من السحر قالوا : { وَمَآ أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السحر } ، وفي ذلك الإكراه وجوه :

الأول : قال ابن عباس - رضي الله عنهما- : إنَّ ملوك ذلك الزمان كانوا يأخذون بعض رعيتهم ويكلفونهم تعلم السحر ، فإذا شاخ أحدهم بعثوا إليه أحداثاً{[25698]} ليعلمهم ليكون في كل وقتٍ مَنْ يُحسنه ، فقالوا ذلك أي : كُنَّا في التعلم الأول والتعليم{[25699]} ثانياً تكرهُنَا ، وهو قول الحسن . وقال مقاتل : كانت السَّحَرةُ اثنين وسبعين اثنان من القبط وسبعون من بني إسرائيل كان فرعون أكرههم على تعليم السحر . وقال عبد العزيز بن أبان{[25700]} : قالت السحرة لفرعون أَرِنَا مُوسَى إذا نام ، فأراهم موسى نائماً ، فوجدوه تحرسه عصان ، فقالوا لفرعون : إن هذا ليس بسحر ، إن الساحر إذا نام بطل سحره فأبى عليهم إلا أن يعارضوه .

وقال الحسن : إن السحرةَ جَرُوا{[25701]} من المدائن ليعارضوا موسى فأحْضَرُوا بالحشر وكانوا مكرهين في الحضور لقوله : { وابعث فِي المدآئن حَاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ }{[25702]}

وقال عمرو بن عبيد{[25703]} : دعوة السلطان إكراه . وهذا ضعيف ، لأن دعوة السلطان إذا لم يكن معها خوف لم تكن إكراهاً . ثم قالوا : { والله خَيْرٌ وأبقى } قال محمد بن إسحاق : خَيْرٌ منكَ ثواباً ، وأبقَى عقاباً لمن عصاه .

وقال محمد بن كعب : خيرٌ منكَ إن أطيع وأبْقَى عذاباً منك إن عُصِي{[25704]} .

( وهذا جواب لقوله : { وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَاباً وأبقى }{[25705]} ) .


[25685]:يجوز: سقط من ب.
[25686]:في ب: الأول أن تكون موصولة له.
[25687]:انظر مشكل إعراب القرآن 2/73، البيان 2/149، التبيان 2/898.
[25688]:انظر البيان 2/149، التبيان 2/.898.
[25689]:ما بين القوسين سقط من ب.
[25690]:ي ب: مقدم. وهو تحريف.
[25691]:التبيان 2/898. "ومن السحر" على هذا الوجه بـ"خطايانا" وعلى الوجه الأول بـ "أكرهتنا" . انظر مشكل إعراب القرآن 2/73.
[25692]:في ب: والأول أظهر.
[25693]:انظر التبيان 2/898.
[25694]:11 هذا الفصل نقله ابن عادل كاملا ببعض من التصرف من كتابي البغوي (5/444) والفخر الرازي 22/89).
[25695]:في ب: سبيل.
[25696]:في ب: سهل.
[25697]:ما بين القوسين سقط من ب.
[25698]:في ب: أحدا ما. وهو تحريف.
[25699]:في الأصل: والتعليم.
[25700]:هو عبد العزيز بن أبان بن محمد بن عبد الله بن سعيد بن العاصي أبو خالد السكوني، نزيل بغداد، روى عن فطر بن خليفة، وهارون بن سليمان الفراء وغيرهما، مات سنة 207 هـ. تهذيب التهذيب 6/329 – 331.
[25701]:في ب : خرجوا.
[25702]:[الشعراء: 36،37].
[25703]:هو عمرو بن عبيد التميمي، مولاهم أبو عثمان البصري، رأس المعتزلة على زهده، كان المنصور يعتقد صلاحه، أخذ عن أبي العالية، والحسن، وأخذ عنه الحمّادان، والقطّان، مات سنة 144 هـ. خلاصة تذهيب تهذيب الكمال 2/291.
[25704]:في ب: قال محمد بن كعب: خير منك ثوابا. وقال محمد بن إسحاق خير منك ثوابا وأبقى عقابا لمن عصاه.
[25705]:ا بين القوسين سقط من ب.