قوله : { وَمَا أَكْرَهْتَنَا } يجوز{[25685]} في " مَا " هذه وجهان :
أحدهما : أنها موصولة{[25686]} بمعنى " الَّذِي " ، وفي محلها احتمالان :
أحدهما : أنَّها منصوبة المحل نسقاً على " خَطَايَانَا " أي ليغفرَ لنا أيضاً الذي أكرهتنا{[25687]} . والاحتمال الثاني : أنَّها مرفوعة المحل على الابتداء ، والخبر محذوف تقديره : والذي أكرهتَنا عليه من السحر محطوط عنا ، أو لا يؤاخذ به ( ونحوه{[25688]} ){[25689]}
والوجه الثاني : أنَّها نافية ، قال أبو البقاء : وفي الكلام تقديم{[25690]} تقديره : ليغفر لنا خَطَايَانَا من السحر ولم تكرهنا عليه{[25691]} . وهذا بعيد عن المعنى ، والظاهر هو الأول{[25692]} . و " مِنَ السِّحْرِ " يجوز أن يكون حالاً من الهاء في " عَلَيْه " أو من الموصول{[25693]} . ويجوز أن تكون لبيان الجنس .
فصل{[25694]}
قال المفسِّرون : لَمَّا علم السحرة أنهم متى أصرُّوا على الإيمان أوقع بهم فرعون ما أوعدهم به فقالوا : " اقْضِ مَا أْنْتَ قَاضٍ " لا على وجه{[25695]} الأمر ، لكن أظهروا أنَّ ذلك الوعيد لا يزيلهم عن إيمانهم البتة ، ثم بيَّنُوا ما لأجله يسهل{[25696]} عليهم احتمال ذلك ، فقالوا : { إِنَّمَا تَقْضِي هذه الحياة الدنيآ } أي قضاؤك وحكمك أن يكون في هذه الحياة ( الدنيا ){[25697]} . وهي نافية تزول عن قريب ، ومطلوبنا سعادة الآخرة ، وهي باقية . والعقل يقتضي تحمل الضَّرَر الفاني للتوصل إلى السعادة الباقية . ثم قالوا : { إِنَّآ آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا } ، ولمَّا كان أقرب خطاياهم عهداً ما أظهروه من السحر قالوا : { وَمَآ أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السحر } ، وفي ذلك الإكراه وجوه :
الأول : قال ابن عباس - رضي الله عنهما- : إنَّ ملوك ذلك الزمان كانوا يأخذون بعض رعيتهم ويكلفونهم تعلم السحر ، فإذا شاخ أحدهم بعثوا إليه أحداثاً{[25698]} ليعلمهم ليكون في كل وقتٍ مَنْ يُحسنه ، فقالوا ذلك أي : كُنَّا في التعلم الأول والتعليم{[25699]} ثانياً تكرهُنَا ، وهو قول الحسن . وقال مقاتل : كانت السَّحَرةُ اثنين وسبعين اثنان من القبط وسبعون من بني إسرائيل كان فرعون أكرههم على تعليم السحر . وقال عبد العزيز بن أبان{[25700]} : قالت السحرة لفرعون أَرِنَا مُوسَى إذا نام ، فأراهم موسى نائماً ، فوجدوه تحرسه عصان ، فقالوا لفرعون : إن هذا ليس بسحر ، إن الساحر إذا نام بطل سحره فأبى عليهم إلا أن يعارضوه .
وقال الحسن : إن السحرةَ جَرُوا{[25701]} من المدائن ليعارضوا موسى فأحْضَرُوا بالحشر وكانوا مكرهين في الحضور لقوله : { وابعث فِي المدآئن حَاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ }{[25702]}
وقال عمرو بن عبيد{[25703]} : دعوة السلطان إكراه . وهذا ضعيف ، لأن دعوة السلطان إذا لم يكن معها خوف لم تكن إكراهاً . ثم قالوا : { والله خَيْرٌ وأبقى } قال محمد بن إسحاق : خَيْرٌ منكَ ثواباً ، وأبقَى عقاباً لمن عصاه .
وقال محمد بن كعب : خيرٌ منكَ إن أطيع وأبْقَى عذاباً منك إن عُصِي{[25704]} .
( وهذا جواب لقوله : { وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَاباً وأبقى }{[25705]} ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.