جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّهُۥ عَلَىٰ رَجۡعِهِۦ لَقَادِرٞ} (8)

قوله : إنّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ يقول تعالى ذكره : إن هذا الذي خلقكم أيها الناس من هذا الماء الدافق ، فجعلكم بشرا سويّا ، بعد أن كنتم ماء مدفوقا ، على رجعه لقادر .

واختلف أهل التأويل في الهاء التي في قوله : عَلى رَجْعِهِ على ما هي عائدة ، فقال بعضهم : هي عائدة على الماء . وقالوا : معنى الكلام : إن الله على ردّ النطفة في الموضع التي خرجت منه لَقادِرٌ . ذكر من قال ذلك :

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن أبي رجاء ، عن عكرِمة ، في قوله : إنّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ قال : إنه على رَدّه في صُلْبه لقادر .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي رجاء ، عن عكرِمة في قوله : إنّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ قال : للصّلب .

حدثني عُبيد بن إسماعيل الهباريّ ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربيّ ، عن ليث ، عن مجاهد في قوله : إنّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ قال : على أن يرد الماء في الإحليل .

حدثني نصر بن عبد الرحمن الأَوْدِيّ الوشاء ، قال : حدثنا أبو قَطَن عمرو بن الهيثم ، عن ورقاء ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن مجاهد ، في قوله : إنّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ قال : على ردّ النطفة في الإحليل .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : إنّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ قال : في الإحليل .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد إنّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ قال : ردّه في الإحليل .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : إنه على ردّ الإنسان ماء كما كان قبل أن يخلقه منه . ذكر من قال ذلك :

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : إنّهُ عَلى رَجْعه لَقادِرٌ إن شئتُ رددتُه كما خلقته من ماء .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : إنه على حبس ذلك الماء لقادر . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : إنّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ قال : على رجع ذلك الماء لقادر ، حتى لا يخرج ، كما قدر على أن يخلق منه ما خلق ، قادر على أن يرجعه .

وقال آخرون : بل معنى ذلك أنه قادر على رجع الإنسان من حال الكبر إلى حال الصغر . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا الحسين ، عن مقاتل بن حَيّان ، عن الضحاك قال : سمعته يقول في قوله : إنّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ يقول : إن شئت رددته من الكبر إلى الشباب ، ومن الشباب إلى الصّبا ، ومن الصبا إلى النطفة .

وعلى هذا التأويل تكون الهاء في قوله : عَلى رَجْعِهِ من ذكر الإنسان .

وقال آخرون ممن زعم أن الهاء للإنسان معنى ذلك أنه على إحيائه بعد مماته لقادر . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : إنّهُ عَلى رَجْعِهِ لقادِرٌ إن الله تعالى ذكره على بعثه وإعادته قادر .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب : قول من قال معنى ذلك : إن الله على ردّ الإنسان المخلوق من ماء دافق من بعد مماته حيا ، كهيئته قبل مماته لقادر .

وإنما قلت هذا أولى الأقوال في ذلك بالصواب ، لقوله : يَوْمَ تُبْلَى السّرائِرُ فكان في إتباعه قوله : إنّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ نبأ من أنباء القيامة ، دلالة على أن السابق قبلها أيضا منه ، ومنه يَوْمَ تُبْلَى السّرائِرُ يقول تعالى ذكره : إنه على إحيائه بعد مماته لقادر ، يوم تُبلى السرائر فاليوم من صفة الرجع ، لأن المعنى : إنه على رجعه يوم تبلى السرائر لقادر .

وعُنِي بقوله : يَوْمَ تُبْلى السّرَائِرُ يوم تُخْتَبرُ سرائر العباد ، فيظهر منها يومئذٍ ما كان في الدنيا مستخفيا عن أعين العباد ، من الفرائض التي كان الله ألزمه إياها ، وكلّفه العمل بها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حُدثت عن عبد الله بن صالح ، عن يحيى بن أيوب ، عن ابن جريج ، عن عطاء بن أبي رباح ، في قوله : يَوْمَ تُبْلَى السّرائِرُ قال : ذلك الصوم والصلاة وغُسْل الجنابة ، وهو السرائر ولو شاء أن يقول : قد صُمْتُ وليس بصائم ، وقد صلّيتُ ولم يصلّ ، وقد اغتسلت ولم يغتسل .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة يَوْمَ تُبْلَى السّرائِرُ إن هذه السرائر مختبرة ، فأسِرّوا خيرا وأعلنوه إن استطعتم ، ولا قوّة إلا بالله .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان يَوْمَ تُبْلَى السّرائِرُ قال : تُخْتَبر .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّهُۥ عَلَىٰ رَجۡعِهِۦ لَقَادِرٞ} (8)

وقوله تعالى : { إنه على رجعة لقادر } الضمير في { إنه } لله تعالى ، واختلف المفسرون في الضمير في { رجعه } : فقال قتادة وابن عباس : هو على { الإنسان } على أي على رده حياً بعد موته ، وقال الضحاك : هو عائد على { الإنسان } لكن المعنى يرجعه ماء كما كان أولاً ، وقال الضحاك أيضاً : يرد من الكبر إلى الشباب ، وقال عكرمة ومجاهد : هو عائد على الماء ، أي يرده في الإحليل ، وقيل في الصلب ، والعامل في { يوم } على هذين القولين الأخيرين فعل مضمر تقديره اذكر { يوم تبلى السرائر } ، وعلى القول الأول ، وهو أظهر الأقوال وأبينها ، اختلفوا في العامل في { يوم } ، فقيل : العامل { ناصر } ، من قوله تعالى : { ولا ناصر } ، وقيل العامل الرجع في قوله تعالى : { على رجعه } ، قالوا وفي المصدر من القوة بحيث يعمل وإن حال خبر ان بينه وبين معموله ، وقال الحذاق العامل فعل مضمر تقديره : { إنه على رجعه لقادر } ، فرجعه { يوم تبلى السرائر } ، وكل هذه الفرق فسرت من أن يكون العامل «قادر » ، لأن ذلك يظهر منه تخصيص القدرة في ذلك اليوم وحده ، وإذا تؤمل المعنى وما يقتضيه فصيح كلام العرب ، جاز أن يكون العامل «قادر » ، وذلك أنه قال : { إنه على رجعه لقادر } ، أي على الإطلاق أولاً وآخراً وفي كل وقت ، ثم ذكر تعالى وخصص من الأوقات الوقت الأهم على الكفار لأنه وقت الجزاء والوصل إلى العذاب ليجتمع الناس إلى حذره والخوف منه

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّهُۥ عَلَىٰ رَجۡعِهِۦ لَقَادِرٞ} (8)

استئناف بياني ناشىء عن قوله : { فلينظر الإنسان مم خلق } [ الطارق : 5 ] لأن السامع يتساءل عن المقصد من هذا الأمر بالنظر في أصل الخلقة ، وإذ قد كان ذلك النظر نظر استدلال فهذا الاستئناف البياني له يتنزل منزلة نتيجة الدليل ، فصار المعنى : أن الذي خلق الإنسان من ماء دافق قادر على إعادة خلقه بأسباب أخرى وبذلك يتقرر إمكان إعادة الخلق ويزول ما زعمه المشركون من استحالة تلك الإِعادة .

وضمير { إنه } عائد إلى الله تعالى وإن لم يسبق ذكر لمعاد ولكنّ بناءَ الفعل للمجهول في قوله : { خلق من ماء دافق } [ الطارق : 6 ] يؤذن بأن الخالق معروف لا يُحتاج إلى ذكر اسمه ، وأسند الرَّجع إلى ضميره دون سلوك طريقة البناء للمجهول كما في قوله : { خلق } لأن المقام مقام إيضاح وتصريح بأن الله هو فاعل ذلك .

وضمير { رجعه } عائد إلى { الإنسان } [ الطارق : 5 ] .

والرجع : مصدر رَجَعَه المتعدّي . ولا يقال في مصدر رجَع القاصر إلا الرجوع .