تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِنَّهُۥ عَلَىٰ رَجۡعِهِۦ لَقَادِرٞ} (8)

الآية 8 : وقوله تعالى : { إنه على رجعه لقادر } قال بعضهم : أنه على رده إلى صلب أبيه لقادر ، وقال بعضهم : إنه على بعثه لقادر ، وهذا أشبه التأويلين لأن الآية في موضع الاحتجاج على الكفرة . ولم يذكر عن أحد التنازع في نفي الرد إلى الصلب وإنكاره حتى تدفع المنازعة بهذا .

وكانوا أهل إنكار بالبعث ، فاحتج عليهم بابتداء الخلقة . وكذلك أكثر ما جرى به الاحتجاج في إثبات البعث في القرآن ، إنما احتج عليهم بالابتداء .

[ وإن ]{[23469]} كان التأويل على رده إلى صلب أبيه ، فوجه الرد ، هو أن يرد من حالة الشيب إلى حالة الشباب ثم من حالة الكبر إلى حالة الصغر ثم إلى حالة الطفولية ، ثم يرد مضغة ، ثم يرد علقة ثم نطفة ، ثم يرد النطفة إلى صلب أبيه ، لا أن يوصف الله تعالى بالقدرة على رده ، وهو على حاله نسمة عظيمة إلى صلب أبيه مع ضيق ذلك المكان ، ولأن هذا محال ، والله تعالى لا يوصف بالقدرة على [ محال ، وليس في مالا يوصف بالقدرة على ]{[23470]} المحال نفي القدرة عنه في الأزل . وبهذا يجاب من سأل ، فقال : أيقدر الله تعالى على إدخال الدنيا في بيضة ؟ فيقال له : إن أردت إدخالها في البيضة في أن تصغر الدنيا ، وتضيقها ، حتى تجعلها أضيق من البيضة أو [ أن توسع البيضة حتى تسع فيها ]{[23471]} الدنيا ، فهو على ذلك قادر .

وإن أردت أنه قادر على إدخالها فيها على إبقاء البيضة بحالها وبقاء الدنيا بحالها ، فهذا محال لما فيه من انقلاب البعض كلا والكل بعضا .

فكذلك يوصف الله تعالى [ بالقدرة ]{[23472]} على رد النسمة إلى الصلب بالوجه الذي ذكرنا ، لا أن يردها على ما هي عليها إلى الصلب لما في ذلك من الإحالة .

وكذلك إذا سئلنا عن حركات أهل الجنة والسكون ، هل لهما غاية ؟ فنقول : لا ، فإن قالوا : هل يعلم الله تعالى غايتها وعددها ؟ فنقول له : يعلمها غير منقطعة لا يعلمها منقطعة . ولم يكن في قولنا : إنه لم يعلمه منقطعا ، إثبات جهل ولا نفي العلم عنه ، بل الجهل إنما يتحقق إذا وصف العلم بالانقطاع في ما لا ينقطع .

فكذلك ليس في نفي الوصف بالقدرة على المحال إثبات عجزه ، والله أعلم .


[23469]:من م، في الأصل: و.
[23470]:من م، ساقطة من الأصل.
[23471]:في الأصل: توسع فيه، في م: توسع البيضة حتى تسع فيه.
[23472]:ساقطة من الأصل وم.