جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{۞وَيَطُوفُ عَلَيۡهِمۡ وِلۡدَٰنٞ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيۡتَهُمۡ حَسِبۡتَهُمۡ لُؤۡلُؤٗا مَّنثُورٗا} (19)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مّخَلّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مّنثُوراً * وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً } .

يقول تعالى ذكره : ويطوف على هؤلاء الأبرار ولدان ، وهم الوصفاء ، مخلّدون .

اختلف أهل التأويل في معنى : مُخَلّدُونَ فقال بعضهم : معنى ذلك : أنهم لا يموتون . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَيَطُوف عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلّدُونَ أي لا يموتون .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، مثله .

وقال آخرون : عنى بذلك وِلْدَانٌ مُخَلّدُونَ : مُسَوّرون .

وقال آخرون : بل عنى به أنهم مقرّطون . وقيل : عنى به أنهم دائم شبابهم ، لا يتغيرون عن تلك السنّ .

وذكر عن العرب أنها تقول للرجل إذا كبر وثبت سواد شعره : إنه لمخلّد وكذلك إذا كبر وثبتت أضراسه وأسنانه قيل : إنه لمخلد ، يراد به أنه ثابت الحال ، وهذا تصحيح لما قال قتادة من أن معناه : لا يموتون ، لأنهم إذا ثبتوا على حال واحدة فلم يتغيروا بهرم ولا شيب ولا موت ، فهم مخلّدون . وقيل : إن معنى قوله : مُخَلّدُونَ مُسَوّرون بلغة حِمْير وينشد لبعض شعرائهم :

ومُخَلّدَاتٌ باللّجَيْنِ كأنّمَا *** أعْجازُهُنّ أقاوِزُ الْكُثْبانِ

وقوله : إذَا رأيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤا مَنْثُورا يقول تعالى ذكره : إذا رأيت يا محمد هؤلاء الولدان مجتمعين أو مفترقين ، تحسبهم في حُسنهم ، ونقاء بياض وجوههم ، وكثرتهم ، لؤلؤا مبدّدا ، أو مجتَمِعا مصبوبا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة لُؤْلؤا مَنْثُورا قال : من كثرتهم وحُسْنِهِمْ .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله إذَا رأيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ من حسنهم وكثرتهم لُؤلُؤا مَنْثُورا وقال قتادة عن أبي أيوب ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : ما من أهل الجنة من أحد إلا ويسعى عليه ألف غلام ، كلّ غلام على عملٍ ما عليه صاحبه .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، قال : حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤا مَنْثُورا قال : في كثرة اللؤلؤ وبياض اللؤلؤ .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞وَيَطُوفُ عَلَيۡهِمۡ وِلۡدَٰنٞ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيۡتَهُمۡ حَسِبۡتَهُمۡ لُؤۡلُؤٗا مَّنثُورٗا} (19)

و { مخلدون } قال جمهور الناس : معناه باقون من الخلود ، وجعلهم ولداناً لأنهم في هيئة الولدان في السن لا يتغيرون عن تلك الحال ، وقال أبو عبيدة وغيره { مخلدون } معناه مقرطون ، والخلدات حلي يعلق في الآذان ، ومنه قول الشاعر : [ الكامل ]

ومخلدات باللجين كأنما*** أعجازهن أقاوب الكثبان{[11529]} .

وشهرة هذه اللغة في حمير ، وشبههم ب «اللؤلؤ المنثور » في بياضهم وانتشارهم في المساكين يجيئون ويذهبون وفي جمالهم ، ومنه سميت المرأة درة وجوهرة .


[11529]:البيت في اللسان وفي الطبري غير منسوب، ومخلدات: يلبسن الخلدات وهي الأقراط، والقرط يسمى الخلدة، واللجين: الفضة ولزوم صيغة التصغير هذه فلا مكبر له، ومثله في ذلك الثريا والكميت، والأعجاز: أرداف المرأة، والواحد عجز، والأقاوز: جمع قوز، وهو مرتفع صغير مستدير من الرمل تشبه به أرداف النساء، وقد قيل: إن أصله أقاويز بالياء، وقد حذفها الشاعر ضرورة.