السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{۞وَيَطُوفُ عَلَيۡهِمۡ وِلۡدَٰنٞ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيۡتَهُمۡ حَسِبۡتَهُمۡ لُؤۡلُؤٗا مَّنثُورٗا} (19)

ولما ذكر تعالى المطوف به لأنه الغاية المقصودة وصف الطائف لما في طوافه من العظمة المشهودة بقوله تعالى : { ويطوف عليهم } أي : بالشراب وغيره من الملاذ والمحاب { ولدان } أي : غلمان هم في سن من هو دون البلوغ ؛ لأنّ الفقهاء قالوا : الناس غلمان وصبيان وأطفال وذراري إلى البلوغ ثم هم بعد البلوغ شبان وفتيان إلى الثلاثين ، ثم هم بعدها كهول إلى الأربعين ثم بعدها شيوخ واستنبط بعضهم ذلك من القرآن في حق بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قال الله تعالى في حق يحيى : { وآتيناه الحكم صبياً } [ مريم : 12 ]

وفي حق عيسى : { ويكلم الناس في المهد وكهلاً } [ آل عمران : 46 ] وعن إبراهيم : { قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم } [ الأنبياء : 60 ] وعن يعقوب : { إنّ له أباً شيخاً كبيراً } [ يوسف : 78 ] . وقالوا : وأقل أهل الجنة من يخدمه ألف غلام ، ويعطى في الجنة قدر الدنيا عشر مرّات . وقرأ حمزة بضم الهاء والباقون بكسرها .

ثم وصف تعالى تلك الغلمان بقوله تعالى : { مخلدون } أي : قد حكم من لا يرد حكمه بأن يكونوا كذلك دائماً من غير علة ولا ارتفاع عن ذلك الحدّ مع أنهم مزينون بالحلي وهو الحلق والأساور والقرط والملابس الحسنة .

{ إذا رأيتهم } أي : يا أعلى الخلق وأنت أثبت الناس نظراً أو أيها الرائي الشامل لكل راء في أي حالة رأيتهم فيها { حسبتهم } أي : من بياضهم وصفاء ألوانهم وانتشارهم في الخدمة { لؤلؤاً منثوراً } أي : من سلكه أو من صدفه وهو أحسن منه في غير ذلك ، قال بعض المفسرين : هم غلمان ينشئهم الله تعالى لخدمة المؤمنين . وقال بعضهم : أطفال المؤمنين لأنهم ماتوا على الفطرة . وقال ابن برجان : وأرى والله أعلم أنهم من علم الله تعالى إيمانه من أولاد الكفار ، وتكون خدماً لأهل الجنة كما كانوا لنا في الدنيا سبياً وخداماً . وأما أولاد المؤمنين فيلحقون بآبائهم سناً وملكاً سروراً لهم . ويؤيد هذا قوله صلى الله عليه وسلم في ابنه إبراهيم عليه السلام : «إن له لظئراً تتم رضاعه في الجنة » فإنه يدل على انتقال شأنه فيما هنالك وكتنقله في الأحوال في الدنيا ، ولا دليل على خصوصيته بذلك . وقرأ السوسي وشعبة بإبدال الهمزة الأولى الساكنة وقفاً ووصلاً ، وإذا وقف حمزة أبدل الأولى والثانية .