جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{سَنُقۡرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰٓ} (6)

قوله : سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى إلاّ ما شاءَ اللّهُ يقول تعالى ذكره : سنقرئك يا محمد هذا القرآن فلا تنساه ، إلاّ ما شاء الله .

ثم اختلف أهل التأويل في معنى قوله فلا تَنْسَى إلاّ ما شاءَ اللّهُ فقال بعضهم : هذا إخبار من الله نبيه عليه الصلاة والسلام أنه يعلمه هذا القرآن ، ويحفظه عليه ، ونهي منه أن يعجل بقراءته ، كما قال جلّ ثناؤه : لا تُحَرّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بهِ إنّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وقُرآنَهُ . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى قال : كان يتذكر القرآن في نفسه مخافة أن ينسى .

فقال قائلو هذه المقالة : معنى الاستثناء في هذا الموضع على النسيان ، ومعنى الكلام : فلا تنسى ، إلاّ ما شاء الله أن تنساه ، ولا تذكُرَه ، قالوا : ذلك هو ما نسخه الله من القرآن ، فرفع حكمه وتلاوته . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى كان صلى الله عليه وسلم لا ينسى شيئا إلاّ ما شاءَ اللّهُ .

وقال آخرون : معنى النسيان في هذا الموضع : الترك وقالوا : معنى الكلام : سنقرئك يا محمد فلا تترك العمل بشيء منه ، إلاّ ما شاء الله أن تترك العمل به ، مما ننسخه .

وكان بعض أهل العربية يقول في ذلك : لم يشأ الله أن تنسى شيئا ، وهو كقوله : خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السّمَوَاتُ والأرْضُ إلاّ ما شاءَ رَبّكَ ولا يشاء . قال : وأنت قائل في الكلام : لأعطينك كلّ ما سألت إلاّ ما شئت ، وإلاّ أن أشاء أن أمنعك ، والنية أن لا تمنعه ، ولا تشاء شيئا . قال : وعلى هذا مجارِي الأَيمان ، يستثنى فيها ، ونية الحالف : اللمام .

والقول الذي هو أولى بالصواب عندي ، قول من قال : معنى ذلك : فلا تنسى إلاّ أن نشاء نحن أن نُنسيكه بنسخه ورفعه . وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب ، لأن ذلك أظهر معانيه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{سَنُقۡرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰٓ} (6)

وقوله تعالى : { سنقرئك فلا تنسى } ، قال الحسن وقتادة ومالك ابن أنس : هذه الآية في معنى قوله تعالى : { لا تحرك به لسانك } [ القيامة : 16 ] الآية{[11749]} ، وعد الله أن يقرئه وأخبره أنه لا ينسى نسياناً لا يكون بعده ذكر ، فتذهب الآية ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحرك شفتيه مبادرة خوفاً منه أن ينسى ، وفي هذا التأويل آية النبي صلى الله عليه وسلم في أنه أمي ، وحفظ الله تعالى عليه الوحي ، وأمنه من نسيانه ، وقال آخرون : ليست هذه الآية في معنى تلك ، وإنما هذه وعد بإقرار الشرع والسور ، وأمره أن لا ينسى على معنى التثبيت والتأكيد ، وقد علم أن ترك النسيان ليس في قدرته ، فقد نهي عن إغفال التعاهد ، وأثبت الياء في «تنسى » لتعديل رؤوس الآي{[11750]} ، وقال الجنيد : معنى { فلا تنسى } ، لا تترك العمل بما تضمن من أمر ونهي


[11749]:من الآية 16 من سورة القيامة.
[11750]:يعني بالياء في [تنسى] الألف التي أصلها ياء، يقال: نسي ينسى.