القول في تأويل قوله تعالى : { فَسُبْحَانَ اللّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ } . يقول تعالى ذكره : فسبحوا الله أيها الناس : أي صلوا له حين تمسون ، وذلك صلاة المغرب ، وحين تصبحون ، وذلك صلاة الصبح وَلَهُ الحَمْدُ فِي السّمَوَاتِ والأرْضِ يقول : وله الحمد من جميع خلقه دون غيره في السموات من سكانها من الملائكة ، والأرض من أهلها ، من جميع أصناف خلقه فيها ، وَعَشِيّا يقول : وسَبّحوه أيضا عشيا ، وذلك صلاة العصر وَحِينَ تُظْهِرُونَ يقول : وحين تَدْخلون في وقت الظهر . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن عاصم ، عن أبي رزِين ، قال : سأل نافع بن الأزرق بن عباس : ( هل تجد ) ميقات الصلوات الخمس في كتاب الله ؟ قال : نعم فَسُبْحانَ اللّهِ حِينَ تُمْسُونَ المغرب وَحِينَ تُصْبِحُونَ الفجر وَعَشِيّا العصر وَحِينَ تُظْهِرُونَ الظهر ، قال : ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عَوْرات لكم .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن عاصم ، عن أبي رَزِين ، قال : سأل نافع بن الأزرق ابن عباس عن الصلوات الخمس في القرآن ، قال : نعم ، فقرأ فَسُبْحانَ اللّهِ حِينَ تُمْسُونَ قال : صلاة المغرب وَحِينَ تُصْبِحُونَ قال : صلاة الصبح وَعَشِيّا قال : صلاة العصر وَحِينَ تُظْهِرُونَ صلاة الظهر ، ثم قرأ : وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ العِشاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ .
حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن ليث ، عن الحكم بن أبي عياض ، عن ابن عباس ، قال : جمعت هاتان الاَيتان مواقيت الصلاة فَسُبْحانَ اللّهِ حِينَ تُمْسُونَ قال : المغرب والعشاء وَحِينَ تُصْبِحُونَ الفجر وَعَشِيّا العصر وَحِينَ تُظْهرُونَ الظهر .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن ليث ، عن الحكم ، عن أبي عياض ، عن ابن عباس ، بنحوه .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن ليث ، عن الحكم ، عن أبي عياض ، عن ابن عباس في قوله فَسُبْحانَ اللّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ . . . إلى قوله وَحِينَ تُظْهِرُونَ قال : جمعت الصلوات فسُبْحانَ اللّهِ حِينَ تُمْسُونَ المغرب والعشاء وَحِين تُصْبِحُونَ صلاة الصبح وَعَشِيّا صلاة العصر وَحِينَ تُظْهِرُونَ صلاة الظهر .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا إسحاق بن سليمان الرازي ، عن أبي سنان ، عن ليث ، عن مجاهد فسُبْحانَ اللّهِ حِينَ تُمْسُونَ المغرب والعشاء وَحِينَ تُصْبِحُونَ الفجر وَعَشِيّا العصر وَحِينَ تُظْهِرُونَ الظهر ، وكلّ سجدة في القرآن فهي صلاة .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة فَسُبْحانَ اللّهِ حِينَ تُمْسُونَ لصلاة المغرب وَحِينَ تُصْبِحُونَ لصلاة الصبح وَعَشِيّا لصلاة العصر وَحِينَ تُظْهِرُونَ صلاة الظهر أربع صلوات .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : فَسُبْحانَ اللّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ، وَلَهُ الحَمْدُ في السّمَوَاتِ والأرْضِ ، وَعَشِيّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ . قال : حين تمسون : صلاة المغرب ، وحين تصبحون : صلاة الصبح ، وعشيا : صلاة العصر ، وحين تظهرون : صلاة الظهر .
{ فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون } إخبار في معنى الأمر بتنزيه الله تعالى والثناء عليه في هذه الأوقات التي تظهر فيها قدرته وتتجدد فيها نعمته ، أو دلالة على أن ما يحدث فيها من الشواهد الناطقة بتنزهه واستحقاقه الحمد ممن له تمييز من أهل السموات والأرض ، وتخصيص التسبيح بالمساء والصباح لان آثار القدرة والعظمة فيهما أظهر ، وتخصيص الحمد بالعشي الذي هو آخر النهار من عشي العين إذا نقص نورها والظهيرة التي هي وسطه لأن تجدد النعم فيهما أكثر ويجوز أن يكون { عشيا } معطوفا على { حين تمسون } وقوله { وله الحمد في السماوات والأرض } اعتراضا . وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : أن الآية جامعة للصلوات الخمس { تمسون } صلاتا المغرب والعشاء ، و{ تصبحون } صلاة الفجر و{ عشيا } صلاة العصر ، و{ تظهرون } صلاة الظهر . ولذلك زعم الحسن أنها مدينة لأنه كان يقول كان الواجب بمكة ركعتين في أي وقت اتفقتا وإنما فرضه الخمس بالمدينة ، والأكثر على إنها فرضت بمكة . وعنه عليه الصلاة والسلام " من سره أن يكال له بالقفيز الأوفى فليقل فسبحان الله حين تمسون الآية " . وعنه عليه والسلام " من قال حين يصبح فسبحان الله حين تمسون إلى قوله وكذلك تخرجون أدرك ما فاته في ليلته ، ومن قال حين يمسي أدرك ما فاته في يومه " وقرئ " حينا تمسون " و " حينا تصبحون " أي تمسون فيه وتصبحون فيه .
وقوله { وله الحمد في السماوات والأرض } جملة معترضة بين الظروف تفيد أن تسبيح المؤمنين لله ليس لمنفعة الله تعالى بل لمنفعة المسبحين لأن الله محمود في السماوات والأرض فهو غني عن حمدنا .
وتقديم المجرور في { ولَهُ الحَمْد } لإفادة القصر الادعائي لجنس الحمد على الله تعالى لأن حمده هو الحمد الكامل على نحو قولهم : فلان الشجاع ، كما تقدم في طالعة سورة الفاتحة . ولك أن تجعل التقديم للاهتمام بضمير الجلالة .
والإمساء : حلول المساء . والإصباح : حلول الصباح . وتقدم في قوله { فالق الإصباح } في سورة الأنعام ( 96 ) . والإمساء : اقتراب غروب الشمس إلى العشاء ، والصباح : أول النهار . والإظهار : حلول وقت الظهر وهو نصف النهار .
وقد استعمل الإفعال الذي همزته للدخول في المكان مثل : أنجد ، وأتهم ، وأيْمَنَ ، وأشأم في حلول الأوقات من المساء والصباح والظهر تشبيهاً لذلك الحلول بالكون في المكان ، فيكثر أن يقال : أصبح وأضحى وأمسى وأعْتَمَ وأشرَق ، قال تعالى { فأتبعوهم مشرقين } [ الشعراء : 60 ] .
والعشي : ما بعد العصر ، وقد تقدم عند قوله تعالى { ولا تَطْرُدِ الذين يَدْعُون ربهم بالغداة والعشي في سورة الأنعام ( 52 ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.