جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{۞وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنۡ أَلۡقِ عَصَاكَۖ فَإِذَا هِيَ تَلۡقَفُ مَا يَأۡفِكُونَ} (117)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىَ مُوسَىَ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ } . .

يقول تعالى ذكره : وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك ، فألقاها فإذا هي تلقم وتبتلع ما يسحرون كذبا وباطلاً ، يقال منه : لقفت الشيء فأنا ألْقُفُه لَقْفا ولَقَفانا . وذلك كالذي :

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك ، فألقى موسى عصاه ، فتحولت حية ، فأكلت سحرهم كله .

حدثنا عبد الكريم بن الهيثم ، قال : حدثنا إبراهيم بن بشار ، قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثنا أبو سعد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : فألقى عصاه فإذا هي حية تلقف ما يأفكون ، لا تمرّ بشيء من حبالهم وخشبهم التي ألقوها إلا التقمته ، فعرفت السحرة أن هذا أمر من السماء ، وليس هذا بسحر ، فخرّوا سجدا وقالوا : آمَنّا بِرَبّ العالَمِينَ رَبّ مُوسَى وهارُونَ .

حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : أوحى الله إلى موسى : لا تخَف ، وألْقِ ما فيَ يمِينِك تَلْقَفْ ما يَأفِكونَ . فألْقَى عَصَاهُ فأكلت كلّ حية لهم ، فلما رأوا ذلك سجدوا ، وقالوا : آمَنّا بِرَبّ العالَمِينَ رَبّ مُوسَى وهارُونَ .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : : أوحى الله إليه أن ألق ما في يمينك فألقى عصاه من يده ، فاستعرضت ما ألقوا من حبالهم وعصيهم ، وهي حيات ، في عين فرعون وأعين الناس تسعى ، فجعلت تلقفها : تبتلعها حية حية ، حتى ما يرى بالوادي قليل ولا كثير مما ألقوه . ثم أخذها موسى فإذا هي عصاه في يده كما كانت ، ووقع السحرة سجدا ، قالوا : آمَنّا بِرَبّ العالَمِينَ رَبّ مُوسَى وهارُونَ لو كان هذا سحرا ما غلبنا .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن هشام الدستوائي ، قال : حدثنا القاسم بن أبي بزّة ، قال : أوحى الله إليه أن ألق عصاك ، فألقى عصاه فإذا هي ثعبان فاغرٌ فاه ، فابتلع حبالهم وعصيهم ، فألقي السحرة عند ذلك سجدا ، فما رفعوا رءوسهم حتى رأوا الجنة والنار وثواب أهلها .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : يَأْفِكُونَ قال : يكذبون .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : فإذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ قال : يكذبون .

حدثنا إبراهيم بن المستمر ، قال : حدثنا عثمان بن عمر ، قال : حدثنا قرة بن خالد السدوسيّ ، عن الحسن : تَلْقَفُ ماَ يَأْفِكُونَ قال : حبالهم وعصيهم تسترطها استراطا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنۡ أَلۡقِ عَصَاكَۖ فَإِذَا هِيَ تَلۡقَفُ مَا يَأۡفِكُونَ} (117)

{ وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك } فألقاها فصارت حية . { فإذا هي تلقف ما يأفكون } أي ما يزورونه من الإفك ، وهو الصرف وقلب الشيء عن وجهه ، ويجوز أن تكون ما مصدرية وهي مع الفعل بمعنى المفعول . روي : أنها لما تلقفت حبالهم وعصيهم وابتلعتها بأسرها أقبلت على الحاضرين فهربوا وازدحموا حتى هلك جمع عظيم ، ثم أخذها موسى فصارت عصا كما كانت فقال السحرة : لو كان هذا سحرا لبقيت حبالنا وعصينا . وقرأ حفص عن عاصم { تلقف } ها هنا وفي " طه " و " الشعراء " .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{۞وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنۡ أَلۡقِ عَصَاكَۖ فَإِذَا هِيَ تَلۡقَفُ مَا يَأۡفِكُونَ} (117)

جملة : { وأوحينا } معطوفة على جمل { سحروا أعين الناس ، واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم } [ الأعراف : 116 ] ، فهي في حيز جواب لمّا ، أي : لمّا ألْقَوا سَحَروا ، وأوحينا إلى موسى أن الق لهم عصاك .

و { أن } تفسيرية لفعل { أوحينا } ، والفاء للتعقيب الدال على سرعة مفاجأة شروعها في التلقف بمجرد إلقائها ، وقد دل السياق على جملتين محذوفتين ، إذ التقدير : فألقاها فدبّت فيها الحياة وانقلبت ثعباناً فإذا هي تلقف ، دل على الجملة الأولى الأمر بالإلقاء ، وعلى الجملة الثانية التلقف لأنه من شأن الحيوان ، والعصا إذا دبت فيها الحياة صارت ثعباناً بدون تبديل شكل .

والتلقف : مبَالغة في اللقف وهو الابتلاع والازدراد .

و { ما } موصولة والعائد محذوف أي : ما يأفكونه . والإفك : الصرف عن الشيء ويسمى الزور إفكاً ، والكذب المصنوعُ إفكاً ، لأن فيه صرفاً عن الحق وإخفاء للواقع ، فلا يسمى إفكاً إلاّ الكذبُ المصطنع المموه ، وإنما جعل السحر إفكاً لأن ما يظْهَر منه مخالف للواقع فشبه بالخبر الكاذب .

وقرأ الجمهور { تَلَقّفَ } بقاف مشددة ، وأصله تتلقف ، أي تبالغ وتتكلف اللقف ما استطاعت ، وقرأ حفص عن عاصم : بسكون اللام وتخفيف القاف على صيغة المجرد .

والتعبير بصيغة المضارع في قوله : { تَلقف } و { يأفكون } للدلالة على التجديد والتكرير ، مع استحضار الصورة العجيبة ، أي : فإذا هي يتجدد تلقفها لِما يتجدد ويتكرر من إفكهم . وتسمية سحرهم إفكاً دليل على أن السحر لا معمول له وأنه مجرد تخييلات وتمويهات .