جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَأَلۡقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلۡقَفۡ مَا صَنَعُوٓاْۖ إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيۡدُ سَٰحِرٖۖ وَلَا يُفۡلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيۡثُ أَتَىٰ} (69)

" وألْقِ ما فِي يَمينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا " يقول : وألق عصاك تبتلع حبالهم وعصيهم التي سحروها حتى خيل إليك أنها تسعى .

وقوله : " إنّمَا صَنَعُوا كَيْدُ ساحِر " ٍ اختلفت القرّاء في قراءة قوله ، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة " إنّمَا صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ " برفع كيد وبالألف في ساحر بمعنى : إن الذي صنعه هؤلاء السحرة كيد من ساحر . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة : «إنّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سِحْرٍ » برفع الكيد وبغير الألف في السحر بمعنى إن الذي صنعوه كيد سحر .

والقول في ذلك عندي أنهما قراءتان مشهورتان متقاربتا المعنى ، وذلك أن الكيد هو المكر والخدعة ، فالساحر مكره وخدعته من سحر يسحر ، ومكر السحر وخدعته : تخيله إلى المسحور ، على خلاف ما هو به في حقيقته ، فالساحر كائد بالسحر ، والسحر كائد بالتخييل ، فإلى أيهما أضفت الكيد فهو صواب . وقد ذُكر عن بعضهم أنه قرأ : «كَيْدَ سِحْرٍ » بنصب كميد . ومن قرأ ذلك كذلك ، جعل إنما حرفا واحدا وأعمل صنعوا في كيد .

قال أبو جعفر : وهذه قراءة لا أستجيز القراءة بها لإجماع الحجة من القرّاء على خلافها .

وقوله : " وَلا يُفْلِحُ السّاحِرُ حَيْثُ أتَى " يقول : ولا يظفر الساحر بسحره بما طلب أين كان . وقد ذُكر عن بعضهم أنه كان يقول : معنى ذلك : أن الساحر يُقتل حيث وُجد . وذكر بعض نحويي البصرة ، أن ذلك في حرف ابن مسعود : «وَلا يُفْلِحُ السّاحِرُ أيْنَ أَتَى » وقال : العرب تقول : جئتك من حيث لا تعلم ، ومن أين لا تعلم . وقال غيره من أهل العربية الأول : جزاء يقتل الساحر حيث أتى وأين أتى وقال : وما قول العرب : جئتك من حيث لا تعلم ، ومن أين لا تعلم ، فإنما هو جواب لم يفهم ، فاستفهم كما قالوا : أي الماء والعشب .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَأَلۡقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلۡقَفۡ مَا صَنَعُوٓاْۖ إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيۡدُ سَٰحِرٖۖ وَلَا يُفۡلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيۡثُ أَتَىٰ} (69)

{ وألق ما في يمينك } أبهمه ولم يقل عصاك تحقيرا لها أي لا تبال بكثرة حبالهم وعصيهم وألق العويدة التي في يدك ، أو تعظيما لها أي لا تحتفل بكثرة هذه الأجرام وعظمها فإن في يمينك ما هو أعظم منها أثرا فألقه . { تلقف ما صنعوا } تبتلعه بقدرة الله تعالى ، وأصله تتلقف فحذفت إحدى التاءين وتاء المضارعة تحتمل التأنيث والخطاب على إسناد الفعل إلى المسبب . وقرأ ابن عامر برواية ابن ذكوان بالرفع على الحال أو الاستئناف وحفص بالجزم والتخفيف على أنه من لقفته بمعنى تلقفته . { إنما صنعوا } إن الذي زوروا وافتعلوا . { كيد ساحر } وقرئ بالنصب على أن ما كافة وهو مفعول صنعوا . وقرأ حمزة والكسائي " سحر " بمعنى ذي سحر ، أو بتسمية الساحر سحرا على المبالغة ، أو بإضافة الكيد إلى السحر للبيان كقولهم علم فقه وإنما وحد الساحر لأن المراد به الجنس المطلق ولذلك قال : { ولا يفلح الساحر } أي هذا الجنس وتنكير الأول لتنكير المضاف كقول العجاج :

يوم ترى النفوس ما أعدت *** في سعي دنيا طالما قد مدت

كأنه قيل إنما صنعوا كيد سحري { حيث أتى } حيث كان وأين أقبل .