التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{كَأَنَّهُۥ جِمَٰلَتٞ صُفۡرٞ} (33)

وقوله : { جمالت } جمع جمَلَ - كحجارة وحجر .

وقال الآلوسى : " جمالة " بكسر الجيم - كما قرأ به حمزة والكسائى وحفص وهو جمع جمل .

والتاء لتأنيث الجمع . يقال : جمل وجمال وجِمالة . . والتنوين للتكثير .

وقرأ الجمهور { جِمالاتٌ } - بكسرالجيم مع الألف والتاء - جمع جِمَال . . فيكون جمع الجمع . .

والمعنى : إنها - أى : جهنم - ترمى المكذبين بالحق ، الذين هم وقودها ، ترميهم بشرر متطاير منها لشدة اشتعالها ، كل واحدة من هذا الشرر كأنها البناء المرتفع فى عظمها وارتفاعها .

وقوله - تعالى - : { كَأَنَّهُ جمالت صُفْرٌ } وصف آخر للشرر ، أى : كأن هذا الشرر فى هيئته ولونه وسرعة حركته . . جمال لونها أصفر .

واختبر اللون الأصفر للجمال ، لأن شرر النار عندما يشتد اشتعالها يكون مائلا إلى الصفرة .

وقيل المراد بالصفر هنا : السواد ، لأن سواد الإِبل يضرب إلى الصفرة .

فأنت ترى أن الله - تعالى - قد شبه الشرر الذى ينفصل عن النار فى عظمته وضخامته بالقصر ، وهو البناء العالى المرتفع ، وشبهه - أيضا - حين يأخذ فى الارتفاع والتفرق . . بالجمال الصفر ، فى هيئتها ولونها وسرعة حركتها ، وتزاحمها .

والمقصود بهذا التشبيه : زيادة الترويع والتهويل ، فإن هؤالءا لكافرين لما كذبوا بالحساب والجزاء ، وصف الله - تعالى - لهم نار الآخرة بتلك الصفات المرعبة ، لعلهم يقلعون عن شركهم ، لا سيما وأنهم يرون النار فى دنياهم ، ويرون شررها حين يتطاير . . وإن كان الفرق شاسعا بين نار الدنيا ونار الآخرة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{كَأَنَّهُۥ جِمَٰلَتٞ صُفۡرٞ} (33)

وقوله : { كأنه جِمالات صفر } تشبيه له في حجمه ولونه وحركته في تطايره بجمالات صفر . وضمير { كأنه } عائد إلى شرر .

والجِمالات : بكسر الجيم جمع جِمالة ، وهي اسم جمع طائفة من الجمال ، أي تُشبه طوائف من الجمال متوزعة فرقاً ، وهذا تشبيه مركب لأنه تشبيه في هيئة الحجم مع لونه مع حركته . والصُفرة : لون الشرر إذا ابتعد عن لهيب ناره .

وقرأ الجمهور { جِمالات } بكسر الجيم وألف بعد اللام فهو جمع جمالة . وقرأه حمزة والكسائي وحفص عن عاصم وخلفٌ { جِمالة } بكسر الجيم بدون ألف بعد اللام وهو جمع جَمَل مثل حَجَر وحِجَارة .

وقرأه رُويس عن يعقوب { جُمالات } بضم الجيم وألف بعد اللام جمع جُمالة بالضم وهي حبل تشدّ به السفينة ، ويُسمى القَلْس ( بقاف مفتوحة ولام ساكنة ) والتقدير : كأنّ الواحدة منها جُمالة ، و { صفر } على هذه القراءة نعت ل { جمالات } أو ل ( شرر ) .

قال صاحب « الكشاف » : وقال أبو العلاء ( يعني المعري ) في صفة نار قوم مدحهم بالكرم :

حَمْرَاءَ ساطعةَ الذوائب في الدُّجَى *** ترمي بكُل شَرارة كطِرَاف

شبه الشرارة بالطراف وهو بيت الأدم في العظم والحمرة وكأنّه قصد بخبثه أن يزيد على تشبيه القرآن ولتبَجحه بما سُوِّل له من توهم الزيادة جاء في صدر بيته بقوله : « حَمْراء » توطئةً لها ومناداة عليها وتنبيهاً للسامعين على مكانها ، ولقد عَمِي جمع الله له عَمَى الدارين عن قوله عز وعلا : { كأنَّه جمالات صفر } فإنه بمنزلة قوله كبيتتٍ أحمر وعلى أن في التشبيه بالقصر وهو الحصن تشبيهاً من جهتين من جهة العظم ومن جهة الطول في الهواء فأبْعَدَ الله إغرابه في طِرافه وما نفخ شدقيه من استطرافه اه .

وأقول : هذا الكلام ظن سوء بالمعري لم يُشمَّ من كلامه ، ولا نسبه إليه أحد من أهل نبزه وملامه ، زاد به الزمخشري في طنبور أصحاب النقمة ، لنبز المعري ولمزه نغمة .

قال الفخر : كانَ الأولى لصاحب « الكشاف » أن لا يذكر ذلك ( أي لأنه ظن سوءاً بلا دلِيل ) .

وقال الطيبي : وليس كذلك لأنه لا يخفى على مثل المعري : أن الكلام بآخره لأن الله شبّه الشرارة : أولاً حين تنفصل عن النار بالقصر في العظم ، وثانياً حين تأخذ في الارتفاع والانبساط فتنشقّ عن أعداد لا نهاية لها بالجمالات في التفرق واللون والعِظَم والثقل ، ونُظر في ذلك إلى الحيوان وأن تلك الحركات اختيارية وكل ذلك مفقود في بيته .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{كَأَنَّهُۥ جِمَٰلَتٞ صُفۡرٞ} (33)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

كأنها جمال سوداء إذا رأيتها من مكان بعيد.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

جِمالاتٌ صُفْرٌ اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك؛

فقال بعضهم: معنى ذلك: كأن الشرر الذي ترمي به جهنم كالقصر جِمالات سود: أي أينق سود. وقالوا: الصفر في هذا الموضع، بمعنى السود. قالوا: وإنما قيل لها صفر وهِي سود لأن ألوان الإبل سود تضرب إلى الصفرة، ولذلك قيل لها صُفْر.

وقال آخرون: بل عُني بذلك: قُلُوس السفن، شبّه بها الشرر، قُلُوس سفن البحر يحمل بعضها على بعض، حتى تكون كأوساط الرجال.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: كأنه قطع النّحاس.

وأولى الأقوال عندي بالصواب قول من قال: عُنِي بالجمالات الصفر: الإبل السود، لأن ذلك هو المعروف من كلام العرب، وأن الجِمالات جمع جِمال.

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

في تسميتها بالجمالات الصفر وجهان:

أحدهما: لسرعة سيرها.

الثاني: لمتابعة بعضها لبعض.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

... زعم بعض العلماء أن المراد هو الصفرة لا السواد، لأن الشرر إنما يسمى شررا ما دام يكون نارا، ومتى كان نارا كان أصفر، وإنما يصير أسود إذا انطفأ، وهناك لا يسمى شررا، وهذا القول عندي هو الصواب.