التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡ وَيُدۡخِلۡكُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ وَمَسَٰكِنَ طَيِّبَةٗ فِي جَنَّـٰتِ عَدۡنٖۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (12)

وقوله - سبحانه - : { يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } مجزوم على أنه جواب لشرط مقدر ، أى : إن تمتثلوا أمره - تعالى - يغفر لكم ذنوبكم .

ويصح أن يكون مجزوما على أنه جواب للأمر المدلول عليه بلفظ الخبر فى قوله - تعالى - قبل ذلك { تُؤْمِنُونَ بالله وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ } . لأنهما - كما قلنا - وإن جاءا بلفظ الخبر ، إلا أنهما فى معنى الأمر ، أى : آمنوا وجاهدوا .

أي : آمنوا بالله - تعالى - إيمانا حقا ، وجاهدوا فى سبيل إعلاء كلمته بأموالكم وأنفسكم ، يغفر لكم - سبحانه - ذنوبكم ، بأن يزيلها عنكم ، ويسترها عليكم .

{ وَيُدْخِلْكُمْ } فضلا عن ذلك { جَنَّاتٍ } عاليات { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار } أى : تجرى من تجت مساكنها وبساتيها الأنهار .

ويعطيكم { مَسَاكِنَ طَيِّبَةً } أى : قصورا مشتملة على كل ما هو طيب ونافع .

وخصت المساكن الطيبة بالذكر ، لأن المجاهدين قد فارقوا مساكنهم ، ومنهم من استشهد بعيدا عنها ، وفيها أهله وماله . . . فوعدهم - سبحانه - بما هو خير منها .

وقوله : { فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ } أى : هذه المساكن الطيبة كائنة فى جنات باقية خالدة ، لا تزول ولا تنتهى ، بل أصحابها يقيمون فيها إقامة دائمة ، يقال : عدن فلان بالمكان ، إذا أقام فيه إقامة مؤبدة .

{ ذَلِكَ الفوز العظيم } أي : ذلك الذى منحناكم إياه من مغفرة لذنوبكم ، ومن خلودكم فى الجنة . . . هو الفوز العظيم الذى لا يقاربه فوز ، ولا يدانيه ظفر .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡ وَيُدۡخِلۡكُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ وَمَسَٰكِنَ طَيِّبَةٗ فِي جَنَّـٰتِ عَدۡنٖۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (12)

والمساكن الطيبة : هي القصور التي في الجنة ، قال تعالى : { ويجعل لك قصوراً } [ الفرقان : 10 ] .

وإنما خُصّت المساكن بالذكر هنا لأن في الجهاد مفارقة مساكنهم ، فوعدوا على تلك المفارقة الموقتة بمساكن أبدية . قال تعالى : { قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم } إلى قوله : { ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله } [ التوبة : 24 ] الآية .