التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَمَّا جَآءَ أَمۡرُنَا نَجَّيۡنَا شُعَيۡبٗا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ بِرَحۡمَةٖ مِّنَّا وَأَخَذَتِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيۡحَةُ فَأَصۡبَحُواْ فِي دِيَٰرِهِمۡ جَٰثِمِينَ} (94)

ولم يطل انتظار شعيب - عليه السلام - ومراقبته لما يحدث لقومه ، بل جاء عقاب الله - تعالى - لهم بسرعة وحسم ، بعد أن لجوا فى طغيانهم ، وقد حكى - سبحانه - ذلك فقال :

{ وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً والذين آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا . . }

أى : وحين جاء أمرنا بعذابهم ، وحل أوان هذا العذاب ، نجينا نبينا شعيبا ونجينا الذين آمنوا به وصدقوه ، حالة كونهم مصحوبين برحمة عظيمة كائنة منا لا من غيرنا .

{ وَأَخَذَتِ الذين ظَلَمُواْ } من قومه { الصَّيْحَةُ } التى زلزلتهم وأهلكتهم { فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ } التى كانوا يسكنونها .

{ جَاثِمِينَ } أى : هامدين ميتين لا تحس لهم حركة ، ولا تسمع لهم ركزا . .

من الجثوم وهو للناس والطير بمنزلة البروك للإِبل ، يقال ، جثم الطائر يجثم جثما وجثوما فهو جاثم إذا وقع على صدره ولزم مكانه فلم يبرحه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَمَّا جَآءَ أَمۡرُنَا نَجَّيۡنَا شُعَيۡبٗا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ بِرَحۡمَةٖ مِّنَّا وَأَخَذَتِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيۡحَةُ فَأَصۡبَحُواْ فِي دِيَٰرِهِمۡ جَٰثِمِينَ} (94)

وقوله تعالى : { ولما جاء أمرنا } الآية ، «الأمر » ها هنا يصح أن يكون مصدر أمر ويصح أن يكون واحد الأمور . وقوله : { برحمة منا } إما أن يقصد الإخبار عن الرحمة التي لحقت شعيباً لنبوته وحسن عمله وعمل متبعيه ، وإما أن يقصد أن النتيجة لم تكن إلا بمجرد رحمة لا بعمل من أعمالهم ، وأما { الصيحة } فهي صيحة جبريل عليه السلام ، وروي أنه صاح بهم ، صيحة جثم لها كل واحد منهم في مكانه حيث سمعها ميتاً قد تقطعت حجب قلبه ، و «الجثوم » أصله في الطائر إذا ضرب بصدره إلى الأرض ، ثم يستعمل في غيره إذا كان منه بشبه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَمَّا جَآءَ أَمۡرُنَا نَجَّيۡنَا شُعَيۡبٗا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ بِرَحۡمَةٖ مِّنَّا وَأَخَذَتِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيۡحَةُ فَأَصۡبَحُواْ فِي دِيَٰرِهِمۡ جَٰثِمِينَ} (94)

عُطف { لما جاء أمرنا } هنا وفي قوله في قصة عاد { ولمّا جاء أمرنا نجينا هوداً } [ هود : 59 ] بالواو فيهما وعطف نظيراهما في قصة ثمود { فلمّا جاء أمرنا نجينا صالحاً } [ هود : 66 ] وفي قصة قوم لوط { فلمّا جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها } [ هود : 82 ] لأن قصتَيْ ثمود وقوم لوط كان فيهما تعيين أجل العذاب الذي تَوعّدَ به النبيئان قومَهما ؛ ففي قصة ثمود { فقال تمتّعوا في داركم ثلاثة أيّام ذلك وعْدٌ غير مكذوبٍ } [ هود : 65 ] ، وفي قصة قوم لوط { إن موعدهم الصّبح أليس الصّبح بقريب } [ هود : 81 ] ؛ فكان المقام مقتضياً ترقب السّامع لما حل بهم عند ذلك الموعد فكان الموقع للفاء لتفريع ما حلّ بهم على الوعيد به . وليس في قصة عاد وقصة مدين تعيين لموعد العذاب ولكنّ الوعيد فيهما مجمل من قوله : { ويستخلف ربّي قوماً غيركم } [ هود : 57 ] ، وقوله : { وارتقبوا إنّي معكم رقيب } [ هود : 9 ] .

وتقدم القول في معنى { جاء أمرنا } إلى قوله : { ألاَ بُعْداً لمدين } في قصة ثمود . وتقدم الكلام على { بُعْداً } في قصة نوح في قوله : { وقيل بُعداً للقوم الظالمين } [ هود : 44 ] .