التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَلَآ إِنَّهُمۡ هُمُ ٱلۡمُفۡسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشۡعُرُونَ} (12)

ولقد كذبهم الله - تعالى - تكذيباً مؤكداً في دعواهم أنهم مصلحون فقال : { ألا إِنَّهُمْ هُمُ المفسدون ولكن لاَّ يَشْعُرُونَ } . فأنت ترى أن القرآن الكريم قد وضع في الرد عليهم جملة صدرها بأداة الاستفتاح إيذاناً بأن ما قالوه يجب أن يهمل إهمالاً ، بل يجب أن يكون وصفهم بالإِفساد قضية مبتدأة مقررة حتى يتلقاها السامع وهو منتبه النفس ، حاصر الذهن .

ثم أكد الجملة بعدة تأكيدات منها : وصل " ألا " " بإن " الدالة على تأكيد الخبر وتحقيقه ، ومنها تأكيد الضمير بضمير منفصل حتى يتم التصاق الخبر بالمبتدأ ، ومنها اسمية الجملة ، ومنها إفادة قصرهم على الإِفساد في مقابل تأكيدهم أنهم هم المصلحون .

ولما كان هذا الرد المؤكد عليهم يستدعي عجباً ، لأنهم زعموا أنهم لا حال لهم إلا الاصلاح ، مع أنهم في الحقيقة لا حال لهم إلا الإفساد ، لما كان الأمر كذلك ، فقد أزال القرآن هذا العجب بقوله : { ولكن لاَّ يَشْعُرُونَ } . أي : أنهم ما قالوه إلا عن غباء استولى على إحساسهم ، ونفي عنهم الشعور بما يصدر عنهم من الفساد ، فأمسوا لا يدركون من شأن أنفسهم شيئاً ، ومن أسوأ ألوان الجهل أن يكون الإِنسان مفسداً ولا يشعر بذلك ، مع أن أثر فساده ظاهر في العيان ، مرئى لكل ذي حس . فعدم شعورهم بالفساد الواقع منهم منبئ باختلاف آلات إدراكهم ، حتى صاروا يحسبون الفساد صلاحاً ، والشر خيراً . وليس عدم شعورهم رافعاً العقاب عنهم ، لأن الجاهل لا يعذر بجهله خصوصاً إذا كان جهله يزول بأدنى تأمل لوضوح الأدلة ، وسطوع البراهين .

/خ13

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَلَآ إِنَّهُمۡ هُمُ ٱلۡمُفۡسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشۡعُرُونَ} (12)

أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُون ( 12 )

و { ألا } استفتاح كلام ، و «إن » بكسر الألف استئناف ، و { هم } الثاني رفع بالابتداء ، و { المفسدون } خبره والجملة خبر «إن » ، ويحتمل أن يكون فصلاً ويسميه الكوفيون : «العماد » ويكون { المفسدون } خبر «إن » فعلى هذا لا موضع ل { هم } من الإعراب ، ويحتمل أن يكون تأكيداً للضمير في أنهم فموضعه نصب ، ودخلت الألف واللام في قوله : { المفسدون } لما تقدم ذكر اللفظة في قوله : { لا تفسدوا } فكأنه ضرب من العهد ، ولو جاء الخبر عنهم ولم يتقدم من اللفظة ذكر لكان ألا إنهم مفسدون ، قاله الجرجاني .

قال القاضي أبو محمد : وهذه الألف واللام تتضمن المبالغة( {[236]} ) كما تقول زيد هو الرجل أي حق الرجل ، فقد تستغني عن مقدمة تقتضي عهداً ، و { لكن } بجملته حرف استدراك ، ويحتمل أن يراد هنا لا يشعرون أنهم مفسدون ، ويحتمل أن يراد لا يشعرون أن الله يفضحهم ، وهذا مع أن يكون قولهم { إنما نحن مصلحون } جحداً محضاً للإفساد . والاحتمال الأول هو بأن يكون قولهم : { إنما نحن مصلحون } اعتقاداً منهم أنه صلاح في صلة القرابة ، أو إصلاح بين المؤمنين والكافرين .


[236]:- أي: حصْرُ السفه والفساد في المنافقين.