التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَأَلۡقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلۡقَفۡ مَا صَنَعُوٓاْۖ إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيۡدُ سَٰحِرٖۖ وَلَا يُفۡلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيۡثُ أَتَىٰ} (69)

وقوله - سبحانه - : { وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صنعوا . . . } زيادة فى تشجيعه وتثبيته .

وتلقف من اللقف بمعنى الأخذ للشىء بسرعة وخفى ، يقال : لقف فلان يلقَفُه لقْفا ولقَفَاناً ، إذا تناوله بسرعة وحذق باليد أو الفم .

وفى هذه الكلمات ثلاث قراءات سبعية ، أحدها : " تَلَقَّفْ " بتاء مفتوحة مخففة ، بعدها لام مفتوحة ، ثم قاف مشددة وفاء ساكنة ، وأصل الفعل تلقف ، فحذفت إحداهما تخفيفا ، وهو مجزوم فى جواب المر وهو { وَأَلْقِ } .

وثانيها : { تَلَقَّفُ } كالقراءة السابقة مع ضم الفاء ، على أن الفعل خبر لمبتدأ محذوف . أى : وألق ما فى يمينك فهى تلقف ما صنعوا .

وثالثها : { تَلْقَفْ } بفتح التاء وسكون اللام وفتح القاف المخففة وجزم الفعل كالقراءة الأولى .

والمراد فما في يمينه عصاه ، كما جاء ذلك صريحا فى آيات أخرى منها قوله - تعالى - : { فألقى موسى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ } وعبر عنها بقوله : { مَا فِي يَمِينِكَ } على سبيل التهويل من شأنها ، أو لتذكيره بما شاهده منها بعد أن قال الله - تعالى - له قبل ذلك { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ ياموسى . . . . قَالَ أَلْقِهَا ياموسى فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تسعى } والمعنى : وألق يا موسى ما فى يمينك تبتلع كل ما صنعه السحرة من تمويه وتزوير وتخييل ، جعل الناس يتوهمون أن حبالهم وعصيهم تسعى .

قال ابن كثير : وذلك أنها صارت تنينا هائلا - أى حية عظيمة - ذا عيون وقوائم وعنق ورأس وأضراس ، فجعلت تتبع تلك الحبال والعصى حتى لم تبق منها شيئا إلا تلقفته وابتعلته ، والسحرة والناس ينظرون إلى ذلك عيانا جهارا نهارا . . . فقامت المعجزة ، واتضح البرهان ، وبطل ما كانوا يعملون .

وقوله : { إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَاحِرٍ } تعليل لقوله { تَلْقَفْ مَا صنعوا } و { مَا } موصولة وهى اسم إن ، و { كَيْدُ } خبرها ، والعائد محذوف .

والتقدير : وألق يا موسى عصاك تلقف ما صنعوه ، فإن الذى صنعوه إنما هو كيد من جنس كيد السحرة وصنعهم وتمويههم .

{ وَلاَ يُفْلِحُ الساحر } أى ولا يفوز هذا الجنس من الناس { حَيْثُ أتى } أى : حيث كان فحيث ظرف مكان أريد به التعميم .

أى : أن الساحر لا يفلح ولا يفوز أينما كان ، وحيثما أقبل ، وأنَّى اتجه ، لأنه يصنع للناس التخييل والتمويه والتزوير والتزييف للحقائق .

قال صاحب الكشاف : " فإن قلت : لم وحد ساحر ولم يجمع ؟ قلت : لأن القصد فى هذا الكلام إلى معنى الجنسية ، لا إلى معنى العدد ، فلو جمع لخيل أن المقصود هو العدد .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَأَلۡقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلۡقَفۡ مَا صَنَعُوٓاْۖ إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيۡدُ سَٰحِرٖۖ وَلَا يُفۡلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيۡثُ أَتَىٰ} (69)

وقرأ جمهور القراء «تلقّفْ » بالجزم على جواب الأمر وبشد القاف ، وقرأ ابن عامر وحده «تلقف » وهو في موضع الحال ويصح أن يكون من الملقى على اتساع ويصح أن يكون من الملقى وهي العصا وهذه حال ، وإن كانت لم تقع بعد كقوله تعالى : { هدياً بالغ الكعبة }{[8129]} [ المائدة : 95 ] وهذا كثير . وقرأ حفص عن عاصم «تلْقف » بسكون اللام وتخفيف القاف وأنث الفعل وهو مسند الى ما في اليمين من حيث كانت العصا مراده بذلك ، وروى البزي عن ابن كثير{[8130]} أنه كان يشدد التاء من «تلقف » كأنه أراد تتلقف فأدغم ، وأنكر أبو علي هذه القراءة ع ويشبه أن قارئها إنما يلتزمها في الوصل حيث يستغنى عن جلب ألف ، وقرأ الجمهور «كيدُ ساحر » برفع الكيد ، وقرأ حمزة والكسائي «كيد السحر » ، وقرأت فرقة «كيدَ » بالنصب «سحر » وهذا على أن «ما » كافة و «كيدَ » منصوب ب { صنعوا } ، ورفع «كيدُ » على أن «ما » بمعنى الذي .

و { يفلح } معناه يبقى ويظفر ببغيته ، وقالت فرقة معناه أن الساحر يقتل حيث ثقف ع وهذا جزاء من عدم الفلاح ، وقرأت فرقة «أين أتى » والمعنى بهما متقارب ، وروي من قصص هذه الآية أن فرعون ، لعنه الله ، جلس في علية له طولها ثمانون ذراعاً والناس تحته في بسيط وجاء سبعون ألف ساحر فألقوا من حبالهم وعصيهم ما فيه وقر{[8131]} ثلاثمائة بعير فهال الأمر .


[8129]:من الآية (95) من سورة المائدة.
[8130]:في بعض النسخ، "عن ابن كثير".
[8131]:الوقر: الحمل.