التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَيَخِرُّونَ لِلۡأَذۡقَانِ يَبۡكُونَ وَيَزِيدُهُمۡ خُشُوعٗا۩} (109)

ثم كرر - سبحانه - مدحه لهم فقال : { وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً } أى سماع القرآن { خشوعاً } وخضوعاً لله - عز وجل .

وكرر - سبحانه - خرورهم على وجوههم ساجدين لله - تعالى - لاختلاف السبب ، فهم أولا أسرعوا بالسجود لله تعظيماً له - سبحانه - وشكراً له على إنجازه لوعده .

وهم ثانياً أسرعوا بالسجود ، لفرط تأثرهم بمواعظ القرآن الكريم .

فأنت ترى هاتين الآيتين قد أمرتا النبى صلى الله عليه وسلم بالإِعراض عن المشركين ، وباحتقارهم وبازدراء شأنهم ، فإن الذين هم خير منهم وأفضل وأعلم قد آمنوا .

وفى ذلك ما فيه من التسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكأن الله - تعالى - يقول له : يا محمد تَسلَّ عن إيمان هؤلاء الجهلاء ، بإيمان العلماء .

هذا ، وقد أخذ العلماء من هاتين الآيتين أن البكاء من خشية الله ، يدل على صدق الإِيمان ، وعلى نقاء النفس ، ومن الأحاديث التى وردت فى فضل ذلك ، ما أخرجه الترمذى عن ابن عباس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " عينان لا تمسهما النار : عين بكت من خشية الله ، وعين باتت تحرس فى سبيل الله " .

ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بآيتين دالتين على تفرده - سبحانه - بالتقديس والتعظيم والتمجيد والعبادة ، فقال - تعالى - : { قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَآءَ الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً } .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَيَخِرُّونَ لِلۡأَذۡقَانِ يَبۡكُونَ وَيَزِيدُهُمۡ خُشُوعٗا۩} (109)

وقوله : { وَيَخِرُّونَ لِلأذْقَانِ يَبْكُونَ } أي : خضوعًا لله عز وجل وإيمانًا وتصديقًا بكتابه ورسوله ، ويزيدهم الله خشوعًا ، أي : إيمانًا وتسليمًا كما قال : { وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } [ محمد : 17 ] .

وقوله : { وَيَخِرُّونَ } عطف صفة على صفة لا عطف سجود على سجود ، كما قال الشاعر :

إلَى المَلك القَرْم وابن الهُمام *** وَلَيْث الكَتِيبَة في المُزْدَحَمْ

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَيَخِرُّونَ لِلۡأَذۡقَانِ يَبۡكُونَ وَيَزِيدُهُمۡ خُشُوعٗا۩} (109)

هذه مبالغة في صفتهم ومدح لهم وحض لكل من ترسم بالعلم وحصل منه شيئاً أن يجري إلى هذه الرتبة ، وحكى الطبري عن التميمي{[7731]} أنه قال : إن من أوتي من العلم ما لم يبكه لخليق أن لا يكون أوتي علماً ينفعه ، لأن الله تعالى نعت العلماء ، ثم تلا هذه الآية كلها ،


[7731]:اسمه عبد الأعلى التيمي.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَيَخِرُّونَ لِلۡأَذۡقَانِ يَبۡكُونَ وَيَزِيدُهُمۡ خُشُوعٗا۩} (109)

وقوله : { ويخرون للأذقان يبكون } تكرير للجملة باختلاف الحال المقترنة بها ، أعيدت الجملة تمهيداً لذكر الحال . وقد يقع التكرير مع العطف لأجل اختلاف القيود ، فتكون تلك المغايرة مصححة العطف ، كقول مُرة بن عَداء الفقعسي :

فَهَلاّ أعدُّوني لِمثلي تفاقدوا *** إذا الخصم أبْزى مائلُ الرأس أنكبُ

وهلا أعدوني لِمثلي تفاقدوا *** وفي الأرض مبثوث شُجاع وعقربُ

فالخرور المحكي بالجملة الثانية هو الخرور الأول ، وإنما خروا خروراً واحداً ساجدين باكين ، فذكر مرتين اهتماماً بما صحبه من علامات الخشوع .

وذكر { يبكون } بصيغة المضارع لاستحضار الحالة .

والبكاء بكاء فرح وبهجة . والبكاء : يحصل من انفعال باطني ناشىء عن حزن أو عن خوف أو عن شوق .

ويزيدهم القرآن خشوعاً على خشوعهم الذي كان لهم من سماع كتابهم .

ومن السنة سجود القارىء والمستمع له بقصد هذه الآية اقتداء بأولئك الساجدين بحيث لا يذكر المسلم سجود أهل الكتاب عند سماع القرآن إلا وهو يرى نفسه أجدر بالسجود عند تلاوة القرآن .