التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَمَنۢ بَدَّلَهُۥ بَعۡدَ مَا سَمِعَهُۥ فَإِنَّمَآ إِثۡمُهُۥ عَلَى ٱلَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (181)

ثم توعد - سبحانه - من يبدل الوصية بطريقة لم يأذن بها الله فقال - تعالى - : { فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الذين يُبَدِّلُونَهُ } .

بدله : غيره . وتغيير الوصية يتأتى بالزيادة في الموصى به أو النقص منه أو كتمانه ، أو غير ذلك من وجوه التغيير للموصى به بعد وفاة الموصي .

سمعه : أي علمه وتحققه ، وكنى بالسماع عن العلم لأنه طريق حصوله . والضمائر البارزة في " بدله وسمعه وإثمه ويبدلونه " عائدة على القول أو على الكلام الذي يقوله الموصي والذي دل عليه لفظ الوصية ، أو على الإِيصاء المفهوم من الوصية ، وهو الإِيصاء أو القول الواقع على الوجه الذي شرعه الله .

والمعنى : فمن غير الإِيصاء الذي أوصى به المتوفى عن وجهه ، بعدما علمه وتحققه منه ، فإنما إثم ذلك التغيير في الإيصاء يقع على عاتق هذا المبدل ، لأنه بهذا التبديل قد خان الأمانة ، وخالف شريعة الله ، ولن يلحق الموصي شيئاً من الإِثم لأنه قد أدى ما عليه بفعله للوصية كما يريدها الله - تعالى .

وقد ختمت الآية بقوله - تعالى - : { إِنَّ الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ } للإِشعار بالوعيد الشديد الذي توعد الله به كل من غير وبدل هذا الحق عن وجهه ، لأن الله - تعالى - لا يخفى عليه شيء من حيل الناس الباطلة ، فهو - سبحانه سميع لوصية الموصي ، عليم بما يقع فيها من تبديل وتحريف .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَمَنۢ بَدَّلَهُۥ بَعۡدَ مَا سَمِعَهُۥ فَإِنَّمَآ إِثۡمُهُۥ عَلَى ٱلَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (181)

وقوله : { فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ } يقول تعالى : فمن بدل الوصية وحرفها ، فغير حكمها وزاد فيها أو نقص - ويدخل في ذلك الكتمان لها بطريق الأولى - { فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ } قال ابن عباس وغير واحد : وقد وقع أجر الميت على الله ، وتعلَّق الإثم بالذين بدلوا ذلك { إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } أي : قد اطلع على ما أوصى به الميت ، وهو عليم بذلك ، وبما بدله الموصى إليهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَمَنۢ بَدَّلَهُۥ بَعۡدَ مَا سَمِعَهُۥ فَإِنَّمَآ إِثۡمُهُۥ عَلَى ٱلَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (181)

فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ( 181 )

الضمير في { بدله } عائد على الإيصاء وأمر الميت وكذلك في { سمعه } ، ويحتمل أن يعود الذي في { سمعه } على أمر الله تعالى في هذه الآية ، والقول الأول أسبق للناظر ، لكن في ضمنه أن يكون المبدل عالماً بالنهي عامداً لخلافه ، والضمير في { إثمه } عائد على التبديل ، و { سميع عليم } صفتان لا يخفى معهما شيء من جنف الموصين وتبديل المعتدين ، وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم «من موَصّ » بفتح الواو وتشديد الصاد ، وقرأ الباقون بسكون الواو .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَمَنۢ بَدَّلَهُۥ بَعۡدَ مَا سَمِعَهُۥ فَإِنَّمَآ إِثۡمُهُۥ عَلَى ٱلَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (181)

الضمائر البارزة في ( بدله وسمعه وإثمه ويبدلونه ) عائدة إلى القول أو الكلام الذي يقوله الموصي ، ودل عليه لفظ { الوصية } [ البقرة : 180 ] ، وقد أكد ذلك بما دل عليه قوله { سَمِعَهُ } إذ إنما تسمع الأقوال ، وقيل هي عائدة إلى الإيصاء المفهوم من قوله : { الوصية } أي كما يعود الضمير على المصدر المأخوذ من الفعل نحو قوله تعالى : { اعدلوا هو أقرب للتقوى } [ المائدة : 8 ] ، ولك أن تجعل الضمير عائداً إلى { المعروف } [ البقرة : 180 ] ، والمعنى : فمن بدل الوصية الواقعة بالمعروف ، لأن الإثم في تبديل المعروف ، بدليل قوله الآتي : { فمن خاف من موص جنفاً أو إثماً فأصلح بينهم فلا إثم عليه } [ البقرة : 182 ] .

والمراد من التبديل هنا الإبطال أو النقص ؛ وما صْدَقُ ( مَنْ بدَّله ) هو الذي بيده تنفيذ الوصية من خاصة الورثة كالأبناء ، ومن الشهود عليها بإشهاد من الموصي ، أو بحضور موطن الوصية كما في الوصية في السفر المذكورة في سورة المائدة : { لانشتري به ثمناً ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الأثمين } [ المائدة : 106 ] فالتبديل مستعمل في معناه المجازي ، لأن حقيقة التبديل جعل شيء في مكان شيء آخر ، والنقض يستلزم الإتيان بضد المنقوض ، وتقييد التبديل بظرف { بعدما سمعه } تعليل للوعيد ، أي لأنه بدل ما سمعه وتحققه وإلاّ فإن التبديل لا يتصور إلاّ في معلوم مسموع ؛ إذ لا تتوجه النفوس إلى المجهول .

والقصر في قوله : { فإنما إثمه } إضافي ، لنفي الإثم عن الموصي وإلاّ فإن إثمه أيضاً يكون على الذي يأخذ ما يجعله له الموصي مع علمه إذا حاباه منفذ الوصية أو الحاكم فإن الحُكم لا يحل حراماً ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم « فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقتطع له قطعة من نار » ، وإنما انتفى الإثم عن الموصي لأنه استبرأ لنفسه حين أوصى بالمعروف فلا وزر عليه في مخالفة الناس بعده لما أوصى به ، إذ { ألا تزر وازرة وزر أخرى ، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } [ النجم : 38 39 ] .

والمقصود من هذا القصر إبطال تعلل بعض الناس بترك الوصية بعلة خيفة ألاّ ينفذها الموكول إليهم تنفيذُها ، أي فعليكم بالإيصاء ووجوب التنفيذ متعين على ناظر الوصية فإن بدله فعليه إثمه ، وقد دل قوله : { فإنما إثمه على الذين يبدلونه } أي هذا التبديل يمنعه الشرع ويضرب ولاةُ الأمور على يد من يحاول هذا التبديل ؛ لأن الإثم لا يقرر شرعاً .

وقوله : { إن الله سميع عليم } وعيد للمبدل ، لأن الله لا يخفى عليه شيء وإن تحيل الناس لإبطال الحقوق بوجوه الحيل وجارُوا بأنواع الجور ، فالله سميع وصية الموصي ويعلم فعل المبدل ، وإذا كان سميعاً عليماً وهو قادر فلا حائل بينه وبين مجازاة المبدل . والتأكيد بإن ناظر إلى حالة المبدل الحكمية في قوله : { فمن بدله } لأنه في إقدامه على التبديل يكون كمن ينكر أنَّ الله عالم ، فلذلك أَكِّد له الحكم تنزيلاً له منزلة المنكر .