الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{فَمَنۢ بَدَّلَهُۥ بَعۡدَ مَا سَمِعَهُۥ فَإِنَّمَآ إِثۡمُهُۥ عَلَى ٱلَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (181)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{فمن بدله بعدما سمعه}...: من بدل وصية الميت، يعني الوصي والولي بعدما سمعه من الميت، فلم يمض وصيته.

{فإنما إثمه على الذين يبدلونه}: يعني الوصي، والولي، وبرئ منه الميت.

{إن الله سميع عليم}.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

فمن غيّر ما أوصى به الموصي من وصيته بالمعروف لوالديه أو أقربيه الذين لا يرثونه بعد ما سمع الوصية فإنما إثم التبديل على من بدّل وصيته.

فإن قال لنا قائل: وعلام عادت الهاء التي في قوله فمن بدّله؟ قيل: على محذوف من الكلام يدلّ عليه الظاهر، وذلك هو أمر الميت وإيصاؤه إلى من أوصى إليه بما أوصى به لمن أوصى له. ومعنى الكلام:"كُتِبَ عَلَيكُمْ إذَا حَضَرَ أحَدَكُمُ المَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ للْوَالِدَيْنِ والأقْرَبِين بالمَعْروفِ حَقّا على المُتّقِين"، فأوصوا لهم فمن بدل ما أوصيتم به لهم بعد ما سمعكم توصون لهم، فإنما إثم ما فعل من ذلك عليه دونكم.

وإنما قلنا إن الهاء في قوله: "فَمَنْ بَدّلَهُ "عائدة على محذوف من الكلام يدل عليه الظاهر لأن قوله: "كُتِبَ عَلَيكُمْ إذَا حَضَرَ أحَدَكُمُ المَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرا الوَصِيّةُ "من قول الله، وإن تبديل المبدل إنما يكون لوصية الموصي، فأما أمر الله بالوصية فلا يقدر هو ولا غيره أن يبدله، فيجوز أن تكون الهاء في قوله: "فَمَنْ بَدّلَهُ" عائدة على الوصية. وأما الهاء في قوله: "بَعْدَ مَا سمِعَهُ" فعائدة على الهاء الأولى في قوله: "فَمَنْ بَدّلَهُ". وأما الهاء التي في قوله: "فَإنمَا إثْمُهُ": فإنها مكنى التبديل كأنه قال: فإنما إثم ما بدّل من ذلك على الذين يبدلونه... فَمَنْ بَدّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فإنّمَا إثْمُهُ على الّذِينَ يُبَدّلُونَهُ وقد وقع أجر الموصي على الله وبريء من إثمه، وإن كان أوصى في ضرار لم تجز وصيته، كما قال الله: غيرَ مُضَارّ.

"إنّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ": إن الله سميع لوصيتكم التي أمرتكم أن توصوا بها لاَبائكم وأمهاتكم وأقربائكم حين توصون بها، أتعدلون فيها على ما أذنت لكم من فعل ذلك بالمعروف، أم تحيفون فتميلون عن الحق وتجورون عن القصد، عليم بما تخفيه صدوركم من الميل إلى الحقّ والعدل، أم الجور والحيف.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{فإنما إثمه على الذين يبدلونه}. ثم يحتمل بعد هذا وجهين:

يحتمل أنه أراد تبديل الوصي بعد موت الموصي.

ويحتمل تبديل من حضر الوصاية ذلك الوقت من الشهود وغيرهم...

زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي 597 هـ :

{إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ} لما قد قاله الموصي {عَلِيمٌ} بما يفعله الموصى إليه...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

المسألة الأولى: هذا المبدل من هو؟ فيه قولان

أحدهما: وهو المشهور أنه هو الوصي أو الشاهد أو سائر الناس، أما الوصي فبأن يغير الوصي الوصية إما في الكتابة وإما في قسمة الحقوق وأما الشاهد فبأن يغير شهادة أو يكتمها، وأما غير الوصي والشاهد فبأن يمنعوا من وصول ذلك المال إلى مستحقه، فهؤلاء كلهم داخلوا تحت قوله تعالى: {فمن بدله}...

والقول الثاني: أن المنهي عن التغيير هو الموصي نهى عن تغيير الوصية عن المواضع التي بين الله تعالى بالوصية إليها وذلك لأنا بينا أنهم كانوا في الجاهلية يوصون للأجانب ويتركون الأقارب في الجوع والضر، فالله تعالى أمرهم بالوصية للأقربين، ثم زجر بقوله: {فمن بدله بعدما سمعه} من أعرض عن هذا التكليف...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

تقييد التبديل بظرف {بعدما سمعه} تعليل للوعيد، أي لأنه بدل ما سمعه وتحققه وإلاّ فإن التبديل لا يتصور إلاّ في معلوم مسموع؛ إذ لا تتوجه النفوس إلى المجهول...

وقوله: {إن الله سميع عليم} وعيد للمبدل، لأن الله لا يخفى عليه شيء وإن تحيل الناس لإبطال الحقوق بوجوه الحيل وجارُوا بأنواع الجور، فالله سميع وصية الموصي ويعلم فعل المبدل، وإذا كان سميعاً عليماً وهو قادر فلا حائل بينه وبين مجازاة المبدل. والتأكيد بإن ناظر إلى حالة المبدل الحكمية في قوله: {فمن بدله} لأنه في إقدامه على التبديل يكون كمن ينكر أنَّ الله عالم، فلذلك أَكِّد له الحكم تنزيلاً له منزلة المنكر...

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

ولا يقال إن التبديل من الموصي نفسه للسياق، إذ يقول {بعدما سمعه}، أي القول الدال على الوصية، والموصي لم يسمع القول بل قاله، متفق عليه أن الموصي له أن يغير في الوصية، ويبدل ما دام حيا، لأنها تصرف غير لازم، ولا تنفذ إلا بعد وفاة، ولا يأثم إلا إذا غيرها من خير إلى غيره، ولا يكون الإثم إلا من قصد الشر. وكان التبديل إثما لأنه خيانة للموصي الذي استودعه أسراره، ولأنه اعتدى فغير وبدل فيما لا يملك التغيير، ولأنه كشاهد الزور الذي يشهد بغير ما يعلم أنه الحق، ولأنه يفوت الخير المعروف الذي قصده الموصي بوصيته...

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

ونحن نعرف أنه في زمن نزول القرآن كانت الوصية شفاهة، ولم تكن الكتابة منتشرة، ولذلك أتى الحق بالجانب المشترك في الموصي والموصى له والوارث وهو جانب القول؛ فقد كان القول هو الأداة الواضحة في ذلك الزمن القديم، ولم تكن هناك وسائل معاصرة كالشهر العقاري لتوثيق الوصية، لذلك كان تبديل وصية الميت إثما على الذي يبدل فيها...