فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَمَنۢ بَدَّلَهُۥ بَعۡدَ مَا سَمِعَهُۥ فَإِنَّمَآ إِثۡمُهُۥ عَلَى ٱلَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (181)

{ فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثم على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم } .

{ فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه } هذا الضمير عائد على الإيصاء المفهوم من الوصية ، وكذلك الضمير في قوله { سمعه } والتبديل التغيير ، والضمير في { إثمه } راجع إلى التبديل المفهوم من قوله بدله ، وهذا وعيد لمن غير الوصية المطابقة للحق التي لا حيف فيها ولا مضارة ، وإنه يبوء بالإثم ، وليس على الموصي من ذلك شيء ، فقد تخلص مما كان عليه بالوصية به .

قال القرطبي : ولا خلاف أنه إذا أوصى بما لا يجوز مثل أن يوصي بخمر أو خنزير أو شيء من المعاصي أنه يجوز تبديله ، ولا يجوز إمضاؤه كما لا يجوز إمضاء ما زاد على الثلث ، قاله أبو عمرو ، انتهى .

والمبدلون إما الأوصياء بأن ينكروا الوصية أو يغيروها إما في الكتابة أو في قسمة الحقوق ، أو الشهود بأن يكتموا الشهادة أو يغيروها ، والمعنى : فمن بدل قول الميت أو ما أوصى به ، وقيل الضمير في { بدله } يعود على الوصية لأنها بمعنى الإيصاء ، وقيل على نفس الإيصاء ، وقيل على الأمر والفرض الذي أمر به الله وفرضه أو في الكتب أو الحق أو المعروف ، فهذه ستة أقوال أولاها ما ذكرنا .

ولكن هنا وقفة من حيث أن الكلام السابق إنما هو في الوصية المنسوخة التي هي للوالدين والأقربين ، وقوله { فمن بدله } إلى آخر الآية إنما هو في الوصية التي استقر عليها الشرع ويعمل بها إلى الآن ، وعلى هذا فكيف يعود الضمير من المحكمة على المنسوخة . قال سليمان الجمل فليتأمل فإني لم أر من نبه على هذا انتهى .

قلت إنما يرد هذا على قول من قال بنسخ الوصية المذكورة ، وقد تقدم أن جماعة من أهل العلم ذهبت إلى أنها محكمة فلا تأمل ولا تنبيه والله أعلم .

{ إن الله سميع } لما أوصى به الموصي ولقوله { عليم } بتبديل المبدل وفعل الوصي ، فيجازي عليه الأول بالخير والثاني بالشر .