اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَمَنۢ بَدَّلَهُۥ بَعۡدَ مَا سَمِعَهُۥ فَإِنَّمَآ إِثۡمُهُۥ عَلَى ٱلَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (181)

يجوز في " مَنْ " أن تكون شرطيَّةً وموصولةً ، والفاء : إمَّا واجبةٌ إن كانت شرطاً ، وإمَّا جائزةٌ ، إن كانت موصولةً ، والهاء في " بَدَّلَهُ " يجوز أن تعود على الوصيَّة ، وإن كان بلفظ المؤنَّث ؛ لأنَّها في معنى المذكَّر ، وهو الإيصاء ؛ كقوله تعالى : { فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظة }[ البقرة : 275 ] أي وعظٌ ، أو تعود على نفس الإيصاء المدلول عليه بالوصيَّة ، إلاَّ أنَّ اعتبار المذكَّر في المؤنَّث قليلٌ ، وإن كان مجازيًّا ؛ ألا ترى أنه لا فرق بين قولك : " هْنْدٌ خَرَجَتْ ، والشَّمْسُ طَلَعَتْ " ، ولا يجوز : " الشّمْسُ طَلَعَ " كما لا يجوز : " هِنْدٌ خَرَجَ " إلا في ضرورة .

وقيل : تعود على الأمر ، والفرض الذي أمر الله به وفرضه .

وقيل : تعود إلى معنى الوصيَّة ، وهو قولٌ ، أو فعلٌ ، وكذلك الضَّمير في " سَمِعَهُ " والضَّمير في " إثْمُهُ " يعود على الإيصاء المبدَّل ، أو التَّبديل المفهوم من قوله : " بَدَّلَهُ " ، وقد راعى المعنى في قوله : { عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ } ؛ إذ لو جرى على نسق اللفظ الأول ، لقال { فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عليه ، أو على الذي يُبَدِّلُهُ } ، وقيل : الضَّمير في " بَدَّلَهُ " يعود على الكتب ، أو الحَقِّ ، أو المعروفِ ، فهذه ستَّة أقوال ، و " مَا " في قوله : " بَعْدَمَا سَمِعَهُ " يجوز أن تكون مصدريَّةً ، أي : بعد سماعه ، وأن تكون موصولةً بمعنى " الذي " ، فالهاء في " سَمِعَهُ " على الأول تعود على ما عاد عليه الهاء في " بَدَّلَهُ " ؛ وعلى الثاني : تعود على الموصول ، أي " بَعْدَ الَّذي سَمِعَهُ مِنْ أَوَامِرِ اللَّهِ " .

فصل في بيان المبدِّل

في المبدِّل قولان :

أحدهما : انه الوصيُّ ، أو الشاهد ، أو سائر النَّاس .

أما الوصيُّ : فبأن يغيِّر الموصى به : إمَّا في الكتابة ، أو في قسمة الحقوق ، وأمَّا الشاهد : فبأن يغيِّر شهادته ، أو يكتمها ، وأما غير الوصي والشاهد ؛ فبأن يمنعوا من وصول ذلك المال إلى مستحقِّه ، فهؤلاء كلُّهم داخلون تحت قوله : " فَمَنْ بَدَّلَهُ " .

الثاني : أن المبدِّل هو الموصي ، نهي عن تغيير الوصيَّة عن مواضعها التي بيَّن الله تعالى الوصية إليها ؛ وذلك أنا بيَّنَّا أنهم كانوا في الجاهليَّة يوصون للأجانب ، ويتركون الأقارب في الجوع والضَّر ، فأمرهم الله تعالى بالوصيَّة إلى الأقربين ، ثم زجر بقوله : { فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ } أي : من أعرض عن هذا التَّكليف ، وقوله : { إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } ، أي سَمِيعٌ لما أوصى به الموصي ، عليمٌ بنيَّته ، لا تخفى عليه خافيةٌ من التَّغيير الواقع فيها .

فصل في تبديل الوصيَّة بما لا يجوز

قال القرطبيُّ{[2505]} : لا خلاف أنه إذا أوصى بما لا يجوز ؛ مثل : أن يوصي بخمرٍ ، أو خنزير ، أو شيءٍ من المعاصي ، فإنه لا يجوز إمضاؤه ، ويجوز تبديله .


[2505]:- ينظر: تفسير القرطبي 2/180.