الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَمَنۢ بَدَّلَهُۥ بَعۡدَ مَا سَمِعَهُۥ فَإِنَّمَآ إِثۡمُهُۥ عَلَى ٱلَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (181)

قوله تعالى : { فَمَن بَدَّلَهُ } : " مَنْ " يجوزُ أَنْ تكونَ شرطيةً وموصولةً ، والفاءُ : إمّا واجبةٌ إن كانَتْ شرطاً ، وإمّا جائزةٌ إنْ كانت موصولةً ، بلفظِ المؤنَّثِ لأنَّها في معنى المذكَّر ، وهو الإِيصاءُ . أو تعود على نفس الإِيصاء المدلولِ عليه بالوصِيَّة ، إلاَّ أنَّ اعتبارَ التذكير في المؤنثِ قليلٌ وإن كان مجازياً ، ألا ترى أنه لا فرق بين قولك : هند خرجَتْ والشمسُ طلَعَتْ ، ولا يجوزُ : الشمسُ طَلَع ، كما لا يَجُوزُ : " هند خرج " إلاَّ في ضرورةٍ . وقيل : تعودُ على الأمرِ والفَرْضِ الذي أَمَرَ به اللهُ وفَرَضه . وكذلك الضميرُ في " سَمِعَه " والضميرُ في " إثمُه " يعودُ على الإِيصاء المُبَدَّلِ ، أو التبديلِ المفهوم من قولِه : " بَدَّله " .

وقد راعى المعنى في قوله : { عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ } إذ لو جَرَى على نَسَق اللفظِ الأولِ لقالَ : " فإنَّما إثمُه عليه - أو على الذي يُبَدِّله " .

وقيل : الضميرُ في " بَدَّله " يعودُ على الكَتْبِ أو الحقِّ أو المعروفِ . فهذه ستةُ أقوالٍ .

و " ما " في قولِه : { بَعْدَمَا سَمِعَهُ } يجوزُ أَنْ تكونَ مصدريةً أي : بعد : سماعِه ، وأن تكون موصولةً بمعنى الذي . فالهاءُ في " سَمِعَه " على الأول تعودُ على ما عادَ عليه الهاءُ في " بَدَّله " ، وعلى الثاني تعودُ على الموصولِ ، أي بعد الذي سَمِعَه من أوامرِ الله .