التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا قَبۡلَكَ إِلَّا رِجَالٗا نُّوحِيٓ إِلَيۡهِمۡۖ فَسۡـَٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} (7)

ثم بين - سبحانه - أن حكمته قد اقتضت أن يكون جميع الرسل من البشر وأن يعيشوا الحياة التى تقتضيها الطبيعة البشرية ، وأن يؤيدهم الله - تعالى - بالمعجزات الدالة على صدقهم ، فقال - تعالى - : { وَمَآ أَرْسَلْنَا . . . . } .

أى : وما أرسلنا قبلك - أيها الرسول الكريم - إلى الأمم السابقة إلا رسلا من البشر ، ليعيشوا حياة البشر ، ويتمكنوا من التعامل والتخاطب والتفاهم مع من هم من جنسهم ، ولو كان الرسل من غير البشر لما كانت هناك وشيجة ورابطة بينهم وبين أقوامهم .

وهذه الجملة رد مفحم على المشركين الجاهلين الذين استبعدوا أن يكون الرسول بشرا وقالوا قبل ذلك : { هَلْ هاذآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } وقوله - تعالى - : { نوحي إِلَيْهِمْ } استئناف مبين لكيفية الإرسال .

أى : اقتضت حكمتنا أن يكون الرسل من الرجال ، وأن نبلغهم ما نكلفهم به عن طريق الوحى المنزل إليهم من جهتنا .

وقوله - سبحانه - : { فاسئلوا أَهْلَ الذكر إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } توبيخ لهم وتجهيل ، لأنهم قالوا ما قالوا بدون تعقل أو تدبر .

والمراد بأهل الذكر : علماء أهل الكتاب الذين كان المشركون يرجعون إليهم فى أمور دينهم .

والفاء فى قوله : { فاسئلوا . . . } لترتيب ما بعدها على ما قبلها ، وجواب الشرط محذوف لدلالة الكلام عليه .

أى : ما دامت قد بلغت بكم الجهالة أن تستبعدوا أن يكون الرسول بشرا فاسألوا أهل العلم فى ذلكن فسيبينون لكم أن الرسل السابقين لم يكونوا إلا رجالا .

قال القرطبى : قوله - تعالى - : { فاسئلوا أَهْلَ الذكر إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } يريد أهل التوراة والإنجيل الذين آمنوا بالنبى - صلى الله عليه وسلم - وسماهم أهل الذكر ، لأنهم كانوا يذكرون خبر الأنبياء ، مما لم تعرفه العرب ، وكان كفار قريش يراجعون أهل الكتاب فى أمر النبى - صلى الله عليه وسلم - .

وقال ابن زيد : أراد بالذكر : القرآن . أى : فاسألوا المؤمنين العالمين من أهل القرآن . . . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا قَبۡلَكَ إِلَّا رِجَالٗا نُّوحِيٓ إِلَيۡهِمۡۖ فَسۡـَٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} (7)

يقول تعالى رادًّا على من أنكر بعثة الرسل من البشر : { وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلا رِجَالا يُوحَى{[19595]} إِلَيْهِمْ }

أي : جميع الرسل الذين تقدموا كانوا رجالا من البشر ، لم يكن فيهم أحد من الملائكة ، كما قال في الآية الأخرى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا يُوحَى{[19596]} إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى } [ يوسف : 109 ] ، وقال تعالى : { قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ } [ الأحقاف : 9 ] ، وقال تعالى حكاية عمن تقدم من الأمم أنهم أنكروا ذلك فقالوا : { أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا } [ التغابن : 6 ] ؛ ولهذا قال تعالى : { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ } أي : اسألوا أهل العلم من الأمم كاليهود والنصارى وسائر الطوائف : هل كان الرسل الذين أتوهم بشرًا أو ملائكة ؟ إنما كانوا بشرًا ، وذلك من تمام نِعمَ الله على خلقه ؛ إذ بعث فيهم رسلا{[19597]} منهم يتمكنون من تناول البلاغ منهم والأخذ عنهم .


[19595]:- في ف ، أ : "نوحي".
[19596]:- في ف ، أ : "نوحي".
[19597]:- في ف ، أ : "رسولا" ، وهو خطأ.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا قَبۡلَكَ إِلَّا رِجَالٗا نُّوحِيٓ إِلَيۡهِمۡۖ فَسۡـَٔلُوٓاْ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ} (7)

{ وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً } رد على فرقة منهم كانوا يستبعدون أن يبعث الله من البشر رسولاً يشف{[8198]} على نوعه من البشر بهذا القدر من الفضل ، فمثل الله تعالى في الرد عليهم بمن سبق من الرسل من البشر ، وقرأ الجمهور «يوحى » على بناء الفعل للمفعول ، وقرأ حفص عن عاصم «نوحي » بالنون ، ثم أحالهم على سؤال { أهل الذكر } من حيث لم يكن عند قريش كتاب ولا إثارة من علم ، واختلف الناس في { أهل الذكر } من هم ، فروى عبدالله بن سلام أنه قال أنا من أهل الذكر ، وقالت فرقة هم أهل القرآن .

قال القاضي أبو محمد : وهذا موضع ينبغي أن يتأمل{[8199]} ، وذلك أن الذكر هو كل ما يأتي من تذكير الله تعالى عباده فأهل القرآن أهل ذكر ، وهذا ما أراد علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وأما المحال على سؤالهم في هذه الآية فلا يصح أن يكونوا أهل القرآن في ذلك الوقت لأنهم كانوا خصومهم ، وإنما أُحيلوا على سؤال أحبار أهل الكتاب من حيث كانوا موافقين لهم على ترك الإيمان بمحمد عليه السلام فتجيء شهادتهم بأن الرسل قديماً من البشر لا مطعن فيها لازمة لكفار قريش .


[8198]:أي: يزيد: الشف: الربح والفضل والزيادة، وهو أيضا النقصان، يقال: شف الدرهم يشف إذا زاد وإذا نقص.
[8199]:في بعض النسخ: ينبغي أن يتأول.