التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لِّيَجۡزِيَ ٱللَّهُ ٱلصَّـٰدِقِينَ بِصِدۡقِهِمۡ وَيُعَذِّبَ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ إِن شَآءَ أَوۡ يَتُوبَ عَلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (24)

ثم بين - سبحانه - الحكمة من هذا الابتلاء والاختبار فقال : { لِّيَجْزِيَ الله الصادقين بِصِدْقِهِمْ } .

أى : فعل - سبحانه - ما فعل فى غزوة الأحزاب من أحداث ، ليجزى الصادقين فى إيمانهم الجزاء الحسن الذى يستحقونه بسبب صدقهم ووفائهم .

{ وَيُعَذِّبَ المنافقين إِن شَآءَ } أى : إن شاء تعذيبهم بسبب موتهم على نفاقهم .

{ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } من نفاقهم بفضله وكرمه فلا يعذبهم .

قال الجمل : وقوله : { وَيُعَذِّبَ المنافقين إِن شَآءَ } جوابه محذوف ، وكذلك مفعول { شَآءَ } محذوف - أيضا - إن شاء تعذيبهم عذبهم .

والمراد بتعذيبهم إماتتهم على النفاق ، بدليل العطف فى قوله { أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } .

{ إِنَّ الله } - تعالى - { كَانَ } وما زال { غَفُوراً رَّحِيماً } أى : واسع المغفرة والرحمة لمن يشاء من عباده .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{لِّيَجۡزِيَ ٱللَّهُ ٱلصَّـٰدِقِينَ بِصِدۡقِهِمۡ وَيُعَذِّبَ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ إِن شَآءَ أَوۡ يَتُوبَ عَلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (24)

وقوله : { لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } أي : إنما يختبر عباده بالخوف والزلزال ليميز{[23292]} الخبيث من الطيب ، فيظهر أمر هذا بالفعل ، وأمر هذا بالفعل ، مع أنه تعالى يعلم الشيء قبل كونه ، ولكن لا يعذب الخلق بعلمه فيهم ، حتى يعملوا بما يعلمه فيهم{[23293]} ، كما قال تعالى : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ{[23294]} الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ{[23295]} أَخْبَارَكُمْ } [ محمد : 31 ] ، فهذا علم بالشيء بعد {[23296]} كونه ، وإن كان العلم {[23297]} السابق حاصلا به قبل وجوده . وكذا قال تعالى : { مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ } [ آل عمران : 179 ] . ولهذا قال هاهنا : { لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ } أي : بصبرهم على ما عاهدوا الله عليه ، وقيامهم به ، ومحافظتهم عليه . { وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ } : وهم الناقضون لعهد الله ، المخالفون لأوامره ، فاستحقوا بذلك عقابه وعذابه ، ولكن هم تحت مشيئته في الدنيا ، إن شاء استمر بهم على ما فعلوا حتى يلقوه به فيعذبهم عليه ، وإن شاء تاب عليهم بأن أرشدهم إلى النزوع عن النفاق إلى الإيمان ، وعمل{[23298]} الصالح بعد الفسوق والعصيان . ولما كانت رحمته ورأفته بخلقه هي الغالبة لغضبه قال : { إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا } .


[23292]:- في ت: "فيميز".
[23293]:- في ت: "بما علمه منهم" وفي ف: "بما يعلمه منهم".
[23294]:- في ت: "يعلم".
[23295]:- في ت: "يبلو".
[23296]:- في ف: "قبل".
[23297]:- في ت: "العالم".
[23298]:- في ت ، ف: "والعمل".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لِّيَجۡزِيَ ٱللَّهُ ٱلصَّـٰدِقِينَ بِصِدۡقِهِمۡ وَيُعَذِّبَ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ إِن شَآءَ أَوۡ يَتُوبَ عَلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (24)

واللام في قوله تعالى : { ليجزي } لام الصيرورة والعاقبة ، ويحتمل أن تكون لام كي ، وتعذيب المنافقين ثمرة إدامتهم الإقامة على النفاق إلى موتهم والتوبة موازية لتلك الإدامة وثمرة التوبة تركهم دون عذاب فهما درجتان : إقامة على نفاق ، أو توبة منه ، وعنهما ثمرتان تعذيب ، أو رحمة ، فذكر تعالى على جهة الإيجاز واحدة من هاتين ، وواحدة من هاتين ، ودل ما ذكر على ما ترك ذكره ويدلك على أن معنى قوله «ليعذب » ليديم على النفاق قوله { إن شاء } ومعادلته بالتوبة وبحرف { أو } ولا يجوز أحد أن { إن شاء } يصح في تعذيب منافق على نفاقه بل قد حتم الله على نفسه بتعذيبه{[9491]} .


[9491]:هذا جواب عن سؤال تقديره: إن عذاب المنافقين متحتم ولا بد منه، فكيف يصح تعليقه على المشيئة وهو قد شاء فعلا تعذيبهم إذا أداموا الإقامة على النفاق؟ وقد وضح أبو حيان إجابة ابن عطية عن هذا السؤال بما يأتي:"كأن ما ذكر يؤول إلى أن التقدير: ليقيموا على النفاق فيموتوا عليه إن شاء فيعذبهم، أو يتوب عليهم فيرحمهم، فحذف سبب التعذيب وأثبت المسبب وهو التعذيب، وأثبت سبب الرحمة والغفران وحذف المسبب وهو الرحمة والغفران، وهذا من الإيجاز الحسن".