التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيۡءٖ فَمَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۚ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ} (36)

ثم بين - سبحانه - أن متاع الدنيا مهما كثر فهو إلى زوال ، فقال : { فَمَآ أُوتِيتُمْ مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الحياة الدنيا } أى : فما أعطيتم من شئ من متع الحياة الدنيا كالغنى والصحة والجاه . فإنما هو متاع زائل من متع الحياة الدنيا .

{ وَمَا عِندَ الله } من عطاء وثواب فى الآخرة . خير وأبقى ، أى : هو خير فى ذاته من متاع الحياة الدنيا ، وأبقى منه زمانا حيث لا يزول ولا يفنى .

وقوله { لِلَّذِينَ آمَنُواْ وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } متعلق بقوله { خَيْرٌ وأبقى } أى : هذا الذى ذكرناه لكم من نعم الآخرة خير وأبقى ، للذين آمنوا بالله - تعالى - إيمانا حقا ؛ وللذين هم يتوكلون ولا يعتمدون إلا على ربهم وحده ، لا على غيره أصلا .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيۡءٖ فَمَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۚ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ} (36)

يقول تعالى محقرا بشأن الحياة الدنيا وزينتها ، وما فيها من الزهرة والنعيم الفاني ، بقوله : { فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } أي : مهما حصلتم وجمعتم فلا تغتروا به ، فإنما هو متاع الحياة الدنيا ، وهي دار دنيئة فانية زائلة لا محالة ، { وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى } أي : وثواب الله خير من الدنيا ، وهو باق سرمدي ، فلا تقدموا الفاني على الباقي ؛ ولهذا قال : { لِلَّذِينَ آمَنُوا } أي : للذين صبروا على ترك الملاذ في الدنيا ، { وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } أي : ليعينهم على الصبر في أداء الواجبات وترك المحرمات .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيۡءٖ فَمَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۚ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ} (36)

{ فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا } تمتعون به مدة حياتكم . { وما عند الله } من ثواب الآخرة . { خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون } لخلوص نفعه ودوامه و { ما } الأولى موصولة تضمنت معنى الشرط من حيث أن إيتاء ما أوتوا سبب للتمتع بها في الحياة الدنيا فجاءت الفاء في جوابها بخلاف الثانية . وعن علي رضي الله تعالى عنه : تصدق أبو بكر رضي الله تعالى عنه بماله كله فلامه جمع فنزلت .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيۡءٖ فَمَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۚ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ} (36)

تفريع على جملة { ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا } [ الشورى : 27 ] إلى آخرها ، فإنها اقتضت وجود منعَم عليه ومحْروم ، فذُكِّروا بأن ما أوتوه من رزق هو عَرَض زائل ، وأن الخير في الثواب الذي ادخره الله للمؤمنين ، مع المناسبة لما سبقه من قوله : { ويَعْفُ عن كثير } [ الشورى : 34 ] من سلامة الناس من كثير من أهوال الأسفار البحرية فإن تلك السلامة نعمة من نعم الدنيا ، ففرعت عليه الذكرى بأن تلك النعمة الدنيوية نعمة قصيرة الزمان صائرة إلى الزوال فلا يَجعلها الموفَّقُ غاية سعيه وليسعَ لعمل الآخرة الذي يأتي بالنعيم العظيم الدائم وهو النعيم الذي ادّخره الله عنده لعباده المؤمنين الصالحين .

والخطاب في قوله : أوتيتم } للمشركين جرياً على نسق الخطاب السابق في قوله : { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم } [ الشورى : 30 ] وقوله : { وما أنتم بمعجزين في الأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير } [ الشورى : 31 ] ، وينسحب الحكم على المؤمنين بلحن الخطاب ، ويجوز أن يكون الخطاب لِجميع الأمة ، فالفاء الأولى للتفريع ، و{ مَا } موصولة ضمنت معنى الشرط والفاء الثانية في قوله : { فمتاع الحياة الدنيا } داخلة على خبر { ما } الموصولة لتضمنها معنى الشرط وإنما لم نَجعل { ما } شرطية لأن المعنى على الإخبار لا على التعليق ، وإنما تضمن معنى الشرط وهو مجرد ملازمة الخبر لمدلول اسم الموصول كما تقدم نظيره آنفاً في قوله : { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم } [ الشورى : 30 ] في قراءة غير نافع وابننِ عامر .

ويتعلق قوله : { خَيْرٌ وأبقى للذين آمنوا } على وجه التنازع ، واتبعت صلة ( الذين آمنوا ) بما يدل على عملهم بإيمانهم في اعتقادهم فعطف على الصلة أنهم يتوكلون على ربّهم دون غيره . وهذا التوكل إفراد لله بالتوجُّه إليه في كل ما تعجز عنه قدرة العبد ، فإن التوجه إلى غيره في ذلك ينافي التوحيد لأن المشركين يتوكلون على آلهتهم أكثر من توكلهم على الله ، ولكون هذا متمّماً لمعنى ( الذين آمنوا ) عطف على الصلة ولم يُؤت معه باسم موصول بخلاف ما ورد بعده .