اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيۡءٖ فَمَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۚ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ} (36)

قوله تعالى : { فَمَآ أُوتِيتُمْ مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الحياة الدنيا وَمَا عِندَ الله خَيْرٌ وأبقى لِلَّذِينَ آمَنُواْ وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } [ الشورى : 36 ] الآية لما ذكر دلائل التوحيد أردفها بالتنفير عن الدنيا وتحقير شأنها ؛ لأن المانع من قبول الدليل هو الرغبة في الدنيا ، فقال : «وَمَا أوتِيتُمْ » «ما » شرطية{[49420]} ، وهي في محل نصب مفعولاً ثانياً{[49421]} «لأوتِيتُمْ » والأول هو ضمير المخاطبين قام مقام الفاعل ، وإنما قدم الثاني ؛ لأن له صدر الكلام ، وقوله : «مِنْ شَيْءٍ » بيان لما الشرطية لما فيها من الإيهام{[49422]} . وقوله «فَمَتَاعُ » الفاء جواب{[49423]} الشرط و«متاع » خبر مبتدأ مضمر أي فهو متاع{[49424]} ، وقوله «وما عند الله » «ما » موصولة مبتدأة ، و«خير » خبرها ، و«لِلَّذِينَ » يتعلق{[49425]} «بَأبْقَى » .

فصل

المعنى : وما أوتيتم من شيء من رياش الدنيا فمتاع الحياة الدنيا ليس من زاد المعاد ، وسماه متاعاً تنبيهاً على قلته وحقارته وجعله من متاع الدنيا تنبيهاً على انقراضه ، وأما الآخرة فإنها خير وأبقى والباقي خير من الخَسِيس الفاني .

ثم بين أن هذه الخيرية إنما تحصل لمن كان موصوفاً بصفات منها أن يكون من المؤمنين فقال { لِلَّذِينَ آمَنُواْ وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ }{[49426]} . وهذا يدل على من زعم أن الطاعة توجب الثواب ؛ لأنه متكل على عمل نفسه لا على الله فلا يدخل تحت الآية{[49427]} .


[49420]:قاله الزمخشري في الكشاف 3/472.
[49421]:البحر المحيط 7/522.
[49422]:السابق وانظر في هذا الدر المصون 4/761.
[49423]:الكشاف السابق.
[49424]:التبيان 1114.
[49425]:في ب متعلق بالاسمية وانظر الدر المصون 4/761.
[49426]:الرازي 27/176.
[49427]:الرازي المرجع السابق.