السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيۡءٖ فَمَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۚ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ} (36)

وقوله تعالى : { فما أوتيتم } خطاب للمؤمنين وغيرهم { من شيء } أي : من أثاث الدنيا { فمتاع الحياة الدنيا } أي : القريبة الدنية لا نفع فيه لأحد إلا مدة حياته وذلك جدير بالإعراض عنه وعما يسببه من الأعمال إلا ما يقرب إلى الله تعالى { وما } أي : والذي { عند الله } أي : الملك الأعظم المحيط بكل شيء قدرة وعلماً من نعم الدارين { خير } أي : في نفسه وأشد خيرية من النعم الدنيوية المحضة لانقطاع نفعه فسماه متاعاً تنبيها على قلته وحقارته ، وجعله من متاع الدنيا تنبيهاً على انقراضه وأما الآخرة فهي خير { وأبقى } والباقي خير من الخسيس الفاني .

ثم بين تعالى أن هذه الخيرية إنما تحصل لمن كان موصوفاً بصفات الصفة الأولى قوله سبحانه وتعالى { للذين آمنوا } أي : أوجدوا هذه الحقيقة { وعلى } أي : والحال إنهم على { ربهم } أي : الذي لم يروا إحساناً قط إلا منه وحده بما رباهم من الإخلاص { يتوكلون } أي : يحملون جميع أمورهم عليه كما يحمل غيرهم متاعه على من يتوسم منه قوة على الحمل ولا يلتفتون في ذلك إلى شيء غيره أصلاً لينتفي عنهم بذلك الشرك الخفي كما انتفى بالإيمان الشرك الجلي وهذا يرد على من زعم أن الطاعة توجب الثواب لأنه يتوكل على عمل نفسه لا على الله تعالى فلا يدخل تحت الآية .