تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيۡءٖ فَمَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۚ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ} (36)

الآية 36 وقوله تعالى : { فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى } هذا يخرّج على وجهين :

أحدهما : أن الله تعالى أعطى من أعطى هذه النّعم واللذات في هذه الدنيا ليكتسبوا بها نعمة دائمة ولذة باقية وكذلك ما أعطاهم من السمع والبصر وغير ذلك من الحواس ليكتسبوا بها ما يدوم ، ويبقى .

فمن استعمل ما أعطاه من الأموال واللذات مما ذكرنا في غير ما أمر به ، وجعل ، سُمّي خاسرا عابثا . وكذلك من استعمل ما أعطاه من الحواس في غير ما جُعلت ، وأمر باستعمالها يُسمَّ أصمّ أبكم أعمى .

وكذلك النفس إذا المرء [ لم ]{[18771]} يكتسب بها حياة دائمة سُميّ ميتا ، والله أعلم .

[ ويحتمل ]{[18772]} أن يقال : إنهم ما أعطوا في هذه الدنيا من اللذات والمتعة إلا ترغيبا في ما أبقى عنه ، ووعدهم في الآخرة . وكذلك ما امتُحنوا من الشدائد والمصائب إلا تحذيرا وترهيبا عمّا أوعدهم ، وخوّفهم في الآخرة .

ثم قوله تعالى : { فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا } أي تتمتّعون به ، فيفنى ، ويزول عن سريع ، وما أبقى ، ولم يُؤتكم ، هو الباقي الدائم .

ثم بيّن أن ما أبقى عنده لمن [ نعتهم ]{[18773]} بقوله : { للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكّلون } آمنوا بأن له{[18774]} الدنيا والآخرة وأن له الخلق والأمر وأنه بريء عن جميع معاني الخلق { وعلى ربهم يتوكلون } أي يوكلون أمورهم إلى ربهم ، هو مفزعهم ، ومعتمدهم ؛ لا يفزعون إلى أحد سواه ، ولا يعتمدون غيره في جميع أحوالهم .


[18771]:ساقطة من الأصل وم.
[18772]:في الأصل وم: أو.
[18773]:ساقطة من الأصل: وم.
[18774]:من م، في الأصل: لهم.