التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمۡ صَٰلِحٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱسۡتَعۡمَرَكُمۡ فِيهَا فَٱسۡتَغۡفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٞ مُّجِيبٞ} (61)

ثم واصلت السورة الكريمة حديثها عن قصص بعض الأنبياء مع أقوامهم فتحدثت عن قصة صالح - عليه السلام - مع قومه ، فقال - تعالى -

{ وإلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً . . . } .

هذه قصة صالح - عليه السلام - مع قومه كما ذكرتها هذه السورة ، وقد وردت هذه القصة فى سور أخرى منها سورة الأعراف ، والشعراء ، والنمل ، والقمر .

وصالح - عليه السلام - ينتهى نسبه إلى نوح - عليه السلام - فهو صالح بن عبيد بن آسف بن ماسح بن عبيد بن حاذر بن ثمود . . بن نوح .

وثمود : اسم للقبيلة التى منها صالح ، سميت باسم جدها ثمود ، وقيل سميت بذلك لقلة مائها ، لأن الثمد هو الماء القليل .

وكانت مساكنهم بالحجر - بكسر الحاء وسكون الجيم - وهو مكان يقع بين الحجاز والشام إلى وادى القرى ، وموقعه الآن - تقريبا - المنطقة التى بين الحجاز وشرق الأردن ، وما زال المكان الذى كانوا يسكنونه بمدائن صالح حتى اليوم .

وقبيلة صالح من القبائل العربية ، وكانوا خلفاء لقوم هود - عليه السلام - فقد قال - سبحانه - : { واذكروا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأرض تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الجبال بُيُوتاً . . . } وكانوا يعبدون الأصنام ، فأرسل الله - تعالى - إليهم صالحاً ليأمرهم بعبادة الله وحده .

وقوله : { وإلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ ياقوم اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ . . }

معطوف على ما قبله من قصتى نوح وهود - عليهما السلام - .

أى : وأرسلنا إلى قبيلة ثمود أخاهم فى النسب والموطن صالحا - عليه السلام فقال لهم تكل الكلمة التى قالها كل نبى لقومه : يا قوم اعبدوا الله وحده ، فهو الإِله الذى خلقكم ورزقكم ، وليس هناك من إله سواه يفعل ذلك .

ثم ذكرهم بقدرة الله - تعالى - وبنعمه عليهم فقال : { هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ الأرض واستعمركم فِيهَا }

والإِنشاء : الإِيجاد والإِحداث على غير مثال سابق .

واستعمركم من الإِعمار ضد الخراب فالسين والتاء للمبالغة . يقال : أعمر فلان فلانا فى المكان واستعمره ، أى جعله يعمره بأنواع البناء والغرس والزرع .

أى : اعبدوا الله - تعالى - وحده ، لأنه - سبحانه - هو الذى ابتدأ خلقكم من هذه الأرض ، وأبوكم آدم ما خلق إلا منها وهو الذى جعلكم المعمرين لها ، والساكنين فيها { تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الجبال بُيُوتاً . . . } قال - تعالى - فى شأنهم . . { أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَآ آمِنِينَ . فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ . وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ . وَتَنْحِتُونَ مِنَ الجبال بُيُوتاً فَارِهِينَ . فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ } فأنت ترى أن صالحا - عليه السلام - قد ذكرهم بجانب من مظاهر قدرة الله ومن أفضاله عليهم ، لكى يستميلهم إلى التفكر والتدبر ، وإلى تصديقه فيما يدعوهم إليه .

والفاء فى قوله { فاستغفروه ثُمَّ توبوا إِلَيْهِ } للتفريع على ما تقدم .

أى : إذا كان الله - تعالى - هو الذى أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فعليكم أن تخلصوا له العبادة ، وأن تطلبوا مغفرته عما سلف منكم من ذنوب .

ثم تتوبوا إليه توبة صادقة : تجعلكم تندمون على ما كان منكم فى الماضى من شرك وكفر ، وتعزمون على التمسك بكل ما يرضى الله - تعالى - فى المستقبل .

ثم فتح أمامهم باب الأمل فى رحمة الله - تعالى - فقال : { إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ }

أى : إن ربى قريب الرحمة من المحسنين ، مجيب الدعاء الداعين المخلصين ، فاقبلوا على عبادته وطاعته ، ولا تقنطوا من رحمة الله .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمۡ صَٰلِحٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱسۡتَعۡمَرَكُمۡ فِيهَا فَٱسۡتَغۡفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٞ مُّجِيبٞ} (61)

يقول تعالى : ولقد أرسلنا { إِلَى ثَمُودَ } وهم الذين كانوا يسكنون{[14707]} مدائن الحجر بين تبوك والمدينة ، وكانوا بعد عاد ، فبعث الله منهم{[14708]} { أَخَاهُمْ صَالِحًا } فأمرهم{[14709]} بعبادة الله وحده [ لا شريك له الخالق الرازق ]{[14710]} ؛ ولهذا قال : { هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأرْضِ } أي : ابتدأ خلقكم منها ، [ من الأرض التي ]{[14711]} خلق منها أباكم آدم ، { وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا } أي : جعلكم [ فيها ]{[14712]} عُمَّارا تعمرونها وتستغلونها ، لسالف ذنوبكم ، { ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ } فيما تستقبلونه ؛ { إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ } كما قال تعالى : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } الآية [ البقرة : 186 ] .


[14707]:- في ت : "يستكبرون".
[14708]:- في ت ، أ : "فيهم".
[14709]:- في أ : "فأمره".
[14710]:- زيادة من أ.
[14711]:- زيادة من ت ، أ.
[14712]:- زيادة من ت ، أ.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمۡ صَٰلِحٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱسۡتَعۡمَرَكُمۡ فِيهَا فَٱسۡتَغۡفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٞ مُّجِيبٞ} (61)

{ والى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض } هو كونكم منها لا غيره فإنه خلق آدم ومواد النطف التي خلق نسله منها من التراب . { واستعمركم فيها } عمركم فيها واستبقاكم من العمر ، أو أقدركم على عمارتها وأمركم بها ، وقيل هو من العمرى بمعنى أعمركم فيها دياركم ويرثها منكم بعد انصرام أعماركم ، أو جعلكم معمرين دياركم تسكنونها مدة عمركم ثم تتركونها لغيركم . { فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب } قريب الرحمة . { مجيب } لداعيه .