التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَقَالَ قَرِينُهُۥ هَٰذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} (23)

ثم يحكى - سبحانه - بعد ذلك ما يقوله قرين الإِنسان يوم القيامة فيقول : { وَقَالَ قَرِينُهُ هذا . . . فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } .

والمراد بقرينه فى قوله - تعالى - : { وَقَالَ قَرِينُهُ . . . } الملك الموكل بكتابه ما يصدر عن الإِنسان فى حياته ، وجاء به مفردا مع أن لكل إنسان قرينين لأن المراد به الجنس .

ويصح أن يكون المراد بقرينه هنا ، شيطانه الذى أضله وأغواه .

قال الآلوسى ما ملخصه : قوله : { وَقَالَ قَرِينُهُ . . . } أى : شيطانه المقيض له فى الدنيا ، ففى الحديث : " " ما من أحد إلا وقد وكل به قرينة من الجن " قالوا : ولا أنت يا رسلو الله ؟ قال : " ولا أنا ، إلا أن الله - تعالى - أعانى عليه ، فأسلم فلا يأمرنى إلا بخير " " .

وقوله : { هذا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ } إشارة إلى الشخص الكافر نفسه ، أى : هذا ما عندى قد هيأته لجهنم . .

وقال قتادة : قرينه : الملك الموكل بسوقه وبكتابه سيئاته ، يقول مشيرا إلى ما فى صحيفته وما فيها من سيئات : هذا الذى فى صحيفته من سيئات مكتوب عندى ، وحاضر للعرض . و " ما " نكرة موصوفة بالظرف وبعتيد ، أو موصولة والظرف صلتها ، و " عتيد " خبر بعد خبر لإِسم الاشارة ، أو خبر لمبتدأ محذوف

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَقَالَ قَرِينُهُۥ هَٰذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} (23)

يقول تعالى مخبرًا عن الملك الموكل بعمل ابن آدم : أنه يشهد عليه يوم القيامة بما فعل {[27310]} ويقول : { هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ } أي : معتد {[27311]} محضر {[27312]} بلا زيادة ولا نقصان .

وقال مجاهد : هذا كلام الملك السائق يقول : هذا ابن آدم الذي وكلتني به ، قد أحضرته .

وقد اختار ابن جرير أن يعم السائق والشهيد ، وله اتجاه وقوة .


[27310]:- (1) في أ: "بما عمل".
[27311]:- (2) في م، أ: "معد".
[27312]:- (3) في أ: "محص".
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَقَالَ قَرِينُهُۥ هَٰذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} (23)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وقال قرينه} في الآخرة يعني صاحبه وملكه الذي كان يكتب عمله السيئ في دار الدنيا {هذا ما لدي عتيد} يقول لربه: قد كنت وكلتني في الدنيا، فهذا عندي معد حاضر من عمله الخبي قد أتيتك به وبعمله...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: وقال قرين هذا الإنسان الذي جاء به يوم القيامة معه سائق وشهيد...

وقوله:"هَذَا ما لَدَيّ عَتِيدٌ "يقول تعالى ذكره مخبرا عن قِيل قَرينِ هذا الإنسان عند موافاته ربه به، ربّ هذا ما لديّ عتيد: يقول: هذا الذي هو عندي معدّ محفوظ...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{وقال قرينه هذا ما لديّ عتيد} أي يقول الملَك الذي كان عليه رقيبا: إنّ كل ما عمل فهو عندي حاضر من تكذيب وعمل السوء. فيُشبه أن تكون شهادة الحَفَظة عليه هذا القول. ويحتمل أن يكون ذلك على السؤال للملائكة عما كتبوا، وحفظوا؛ يقول كل مَلَك: {هذا ما لديّ عتيد} أي هذا الذي عمل هذا عندي حاضر محفوظ؛ إذ الكتاب الذي كتبت فيه أعماله حاضر...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{وقال قرينه} أي الشيطان الذي سلط على إغوائه واستدراجه إلى ما يريد...

{هذا} أي الإنسان الذي قرنتني به. ولما كان الأمر في كل من الطائع والعاصي في غاية العجب، لأن الطائع ينابذ هواه فيكون ملكياً مجرداً من حظوظه ونوازع نفوسه وما بنيت عليه من النقائص والشهوات، والعاصي- طوع يدي الشيطان، يصرفه في أغراضه كيف يشاء، فيطيعه بغاية الشهوة مع علمه بعداوته...

. أشار إلى هذه المنابذة بأداة من لا يعقل وإلى جميع ما في أمره من العجب بلدي فقال: {ما لدي} أي الأمر- الذي عندي من الأمر المستغرب جداً لكون المطيع عصاني، وهو مطبوع على النقائص والحظوظ التي يرى أنها- حياته ولذته وراحته، والعاصي أطاعني وهو يعلم بعقله أني شر محض، وترك الخير المحض وهو عالم بأن في ذلك هلاكه {عتيد} أي حاضر مهيأ لما يراد منه.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

الواو واو الحال والجملة حال من تاء الخطاب في قوله: {لقد كنت في غفلة من هذا} [ق: 22] أيْ يوبخ عند مشاهدة العذاب بكلمة {لقد كنتَ في غفلة من هذا}، في حال قول قرينه {هذا ما لدي عتيد}.

وهاء الغائب في قوله: {قرينه} عائدة إلى {كل نفس} [ق: 21] أو إلى الإنسان.

وقرين فَعيل بمعنى مفعول، أي مقرون إلى غيره. وكأنَّ فعلَ قَرَنَ مشتق من القَرَن بالتحريك وهو الحبل وكانوا يقرنون البعير بمثله لوضع الهودج، فاستعير القرين للملازم...

واختلف المفسرون في المراد بالقرين في هذه الآية على ثلاثة أقوال: فقال قتادة والحسن والضحاك وابن زيد ومجاهد في أحد قوليه هو المَلَك الموكل بالإنسان الذي يسوقه إلى المحشر أي هو السائق الشهيد. وهذا يقتضي أن يكون القرين في قوله الآتي {قال قرينه ربنا ما أطغيته} [ق: 27] بمعنى غير معنى القرين في قوله: {وقال قرينه هذا ما لدي عتيد}.

وعن مجاهد أيضاً: أن القرين شيطان الكافر الذي كان يزين له الكفر في الدنيا أي الذي ورد في قوله تعالى: {وقيّضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم} [فصلت: 25]. وعن ابن زيد أيضاً: أن قرينه صاحبه من الإنس، أي الذي كان قرينَه في الدنيا.

وعلى الاختلاف في المراد بالقرين يختلف تفسير قوله: {هذا ما لدي عتيد} فإن كان القرين الملَكَ كانت الإشارة بقوله {هذا} إلى العذاب الموكَّل به ذلك المَلكُ؛ وإن كان القرين شيطاناً أو إنساناً كانت الإشارة محتمِلة لأن تعود إلى العذاب كما في الوجه الأول، أو أن تعود إلى معاد ضمير الغيبة في قوله: {قرينه} وهو نفس الكافِر، أي هذا الذي معي، فيكون {لديَّ} بمعنى: معي، إذ لا يخلو أحد من صاحبٍ يأنس بمحادثته والمراد به قرين الشرك المماثل.

وقد ذكر الله من كان قريناً للمؤمن من المشركين واختلاف حاليهما يوم الجزاء بقوله {قال قائل منهم إني كان لي قرين يقول أئِنّك لمن المصدقين} الآية في سورة الصافات (51، 52). وقول القرين هذا ما لدي عتيد} مستعمل في التلهف والتحسر والإشفاق، لأنه لما رأى ما به العذاب علم أنه قد هُيّئ له، أو لمَّا رأى ما قدم إليه قرينه علم أنه لاحِق على أثره...

وتقدم معنى {عَتيد} عند قوله تعالى: {إلا لديه رقيب عتيد} [ق: 18]، وهو هنا متعيّن للمعنى الذي فسر عليه المفسرون، أي مُعَدٌّ ومهيَّأ.