واسم الإِشارة فى قوله - سبحانه - { وَتِلْكَ عَادٌ . . . } يعود إلى القبيلة أو إلى آثارهم التي خلفوها من بعدهم . أى : وتلك هى قصة قبيلة عاد مع نبيها هود - عليه السلام - وتلك هى عاقبتها وكانت الإِشارة للبعيد تحقيرا لهم ، وتهوينا من شأنهم بعد أن انتهوا ، وبعدوا عن الأنظارو الأفكار ، وقد كانوا يقولون : من أشد منا قوة .
وقوله : { جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ واتبعوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ . . } بيان لجرائمهم التى استحقوا بسببها العذاب الغليظ .
والجحد : الإِنكار الشديد للحق الواضح .
وآيات ربهم : الحجج والبراهين التى جاء بها الأنبياء من ربهم للدلالة على صدقهم .
والجبار : هو الشخص المتعالى المتعاظم على الناس ، المترفع عن الاستجابة للحق .
والعنيد : المعاند الطاغى الذى يعرف الحق ولكنه لا يتبعه .
أى : وتلك هى قصة قبيلة عاد مع نبيها ، كفروا بآيات ربهم الدالة على صدق أنبيائه ، وعصوا رسله الذين جاءوا لهدايتهم ، واتبع سفلتهم وعوامهم أمر كل رئيس متجبر متكبر معاند منهم ، بدون تفكر أو تدبر .
وقال - سبحانه - { وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ } مع أنهم قد عصوا رسولا واحده هو هود - عليه السلام - ، للإِشارة إلأى أن معصيتهم لهذا الرسول كانها معصية للرسل جميعا ، لأنهم قد جاءوا برسالة واحدة فى جوهرها وهى : عبادة الله - تعالى - وحده ، والتقيد بأوامره ونواهيه .
والإِشارة أيضا إلى ضخامة جرائمهم ، وإبراز شناعتها حيث عصوا رسلا لا رسولا .
وقد وصفهم - سبحانه - فى هذه الآية بثلاث صفات هى أعظم الصفات فى القبح والشناعة : أولها : جحودهم لآيات ربهم . وثانيها : عصيانهم لرسله . وثالثها : اتباعها أمر رؤسائهم الطغاة .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَاتّبَعُوَاْ أَمْرَ كُلّ جَبّارٍ عَنِيدٍ } .
يقول تعالى ذكره : وهؤلاء الذين أحللنا بهم نقمتنا وعذابنا عادٌ ، جحدوا بأدلة الله وحججه ، وعصوا رسله الذين أرسلهم إليهم للدعاء إلى توحيده واتباع أمره ، واتّبَعُوا أمْرَ كُلّ جَبّارٍ عَنِيدٍ يعني كلّ مستكبر على الله ، حائد عن الحقّ لا يذعن له ولا يقبله ، يقال منه : عَنِدَ عن الحقّ فهو يَعْنَدُ عُنُودا ، والرجل عَانِدٌ وعَنُودٌ ، ومن ذلك قيل للعرق الذي ينفجر فلا يرقأ : عرق عانِدٌ : أي ضارّ ، ومنه قول الراجز :
*** إنّي كَبِيرٌ لا أُطِيقُ العُنّدَا ***
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَاتّبَعُوا أمْرَ كُلّ جَبّارٍ عَنِيدٍ : المشرك .
وتعدى { جحدوا } بحرف جر لما نزل منزلة كفروا ، وانعكس ذلك في الآية بعد هذا{[6395]} ، وقوله : { وعصوا رسله } ، شنعة عليهم وذلك أن في تكذيب رسول واحد تكذيب سائر الرسل وعصيانهم ، إذ النبوات كلها مجمعة على الإيمان بالله والإقرار بربوبيته : ويحتمل أن يراد هود . وآدم ، ونوح و «العنيد » : فعيل من «عَنِدَ » إذا عتا . ومنه قول الشاعر : [ الرجز ] .
إني كبير لا أطيق الُعَّندا{[6396]}
أي الصعاب من الإبل ، وكان التجبر والعناد من خلق عاد لقوتهم .
الإشارة ب { تِلك } حاضر في الذّهن بسبب ما أجري عليه من الحديث حتى صار كأنّه حاضر في الحسّ والمشاهدة . كقوله تعالى : { تلك القرى نقصّ عليك من أنبائها } [ الأعراف : 101 ] وكقوله : { أولئك على هدىً من ربّهم } [ البقرة : 5 ] ، وهو أيضاً مثله في أنّ الإتيان به عقب الأخبار الماضية عن المشار إليهم للتنبيه على أنّهم جديرون بما يأتي بعد اسم الإشارة من الخبر لأجل تلك الأوصاف المتقدّمة .
وتأنيث اسم الإشارة بتأويل الأمّة .
و { عاد } بيان من اسم الإشارة .
وجملة { جحدوا } خبر عن اسم الإشارة . وهو وما بعده تمهيد للمعطوف وهو { وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة } لزيادة تسجيل التّمهيد بالأجرام السّابقة ، وهو الذي اقتضاه اسم الإشارة كما تقدّم ، لأنّ جميع ذلك من أسباب جمع العذابين لهم .
والجحد : الإنكار الشّديد ، مثل إنكار الواقعات والمشاهدات . وهذا يدلّ على أنّ هوداً أتاهم بآيات فأنكروا دلالتها . وعدي { جَحدوا } بالباء مع أنّه متعدّ بنفسه لتأكيد التّعدية ، أو لتضمينه معنى كفروا فيكون بمنزلة ما لو قيل : جحدوا آيات ربّهم وكفروا بها ، كقوله : { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم } [ النمل : 14 ] .
وجمع الرسل في قوله : { وعصَوا رُسلَه } وإنّما عَصَوْا رَسولاً واحداً ، وهو هود عليه السّلام لأنّ المراد ذكر إجرامهم فناسب أن يناط الجرم بعصيان جنس الرسل لأن تكذيبهم هوداً لم يكن خاصاً بشخصه لأنهم قالوا له : { وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك } [ هود : 53 ] ، فكل رسول جاء بأمر ترك عبادة الأصنام فهم مكذبون به . ومثله قوله تعالى : { كذّبت عادٌ المرسلين } [ الشعراء : 123 ] .
ومعنى اتباع الآمر : طاعة ما يأمرهم به ، فالاتّباع تمثيل للعمل بما يملى على المتبع ، لأنّ الآمر يشبه الهادي للسائر في الطريق ، والممتثلَ يشبه المتبع للسائر .
والجبار : المتكبّر . والعنيد : مبالغة في المعاندة . يقال : عند مثلث النون إذا طغى ، ومن كان خلقه التجبّر ، والعنود لا يأمر بخير ولا يدعو إلاّ إلى باطل ، فدلّ اتّباعهم أمر الجبابرة المعاندين على أنّهم أطاعوا دعاة الكفر والضلال والظلم .
و { كل } من صيغ العموم ، فإنْ أريد كلّ جبار عنيد من قومهم فالعموم حقيقي ، وإنْ أريد جنس الجبابرة ف { كلّ } مستعملة في الكثرة كقول النابغة :
ومنه قوله تعالى : { يأتوك رجالاً وعلى كلّ ضامرٍ } في سورة [ الحج : 27 ] .
وإتْباع اللعنة إيّاهم مستعار لإصابتها إيّاهم إصابة عاجلة دون تأخير كما يتبع الماشي بمن يلحقه . وممّا يزيد هذه الاستعارة حسناً ما فيها من المشاركة ومن مماثلة العقاب للجرم لأنّهم اتّبعوا الملعونين فأتبعوا باللّعنة .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: وهؤلاء الذين أحللنا بهم نقمتنا وعذابنا عادٌ، جحدوا بأدلة الله وحججه، وعصوا رسله الذين أرسلهم إليهم للدعاء إلى توحيده واتباع أمره.
"واتّبَعُوا أمْرَ كُلّ جَبّارٍ عَنِيدٍ" يعني كلّ مستكبر على الله، حائد عن الحقّ لا يذعن له ولا يقبله...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
(وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا) أي وتلك أهل قرية عاد (جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ)؛ والكفر بالآيات كفر بجميع الرسل، والكفر بواحد من الرسل كفر بالرسل جميعا، وبالله التوفيق؛ لأن كل واحد من الرسل يدعو إلى الإيمان بالله وبجميع الرسل... وإنما كان الكفر بالآيات كفرا بالله لأن الله إنما يعرف من جهة الآيات، والكفر بالآيات كفر به.
(واتبعوا أمر كل جبار عنيد) قيل: أخبر أنهم اتبعوا أمر الجبابرة، وأطاعوهم، وتركوا اتباع الرسل وطاعتهم. قيل: الجبار هو المتجبر الذي يتجبر على الرسل، ويتكبر عليهم؛ لأن الرؤساء منهم كانوا يتجبرون على الرسل، ويتكبرون، والأتباع اتبعوا الرؤساء في عملهم...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
" وتلك "اشارة إلى من تقدم ذكره، وتقديره "وتلك "القبيلة "عاد جحدوا بآيات ربهم"؛ والجحد: الخبر بأن المعنى ليس بكائن على صحة، فعلى هذا جحدوا هؤلاء الكفار بآيات الله، أي أخبروا بأن المعنى لانعرف صحته، والنفي: خبر بعدمه...
وقوله: "وعصوا رسله" فيه إخبار أنهم مع جحدهم دلالة رسل الله، وانكارهم آيات الله، خالفوا ما أراده الدعاة إلى الله على طريق الإيجاب بالترغيب والترهيب، فالرسول دعاهم إلى عبادة الله فخالفوه، وإنما قال: "عصوا رسله" وهم عصوا هودا، لأن الرسل قد تقدمت عليهم بمثل ذلك، وذلك عصيان لهم فيما أمروا به ودعوا إليه من توحيد الله وعدله وأن لا يشركوا به شيئا. "واتبعوا أمر كل جبار عنيد" والعنيد: العاتي الطاغي...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
في إنزالِ قصصهم تسلية للرسول -صلى الله عليه وسلم وآله- فيما كان يقاسي من العناء، وللمؤمنين فيما بذلوا من حسن البلاء، والعِدَةُ بتبديل- ما كانوا يلقَوْنه من الشِدِّة- بالرجاء...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{وَتِلْكَ عَادٌ} إشارة إلى قبورهم وآثارهم، كأنه قال: سيحوا في الأرض فانظروا إليها واعتبروا، ثم استأنف وصف أحوالهم فقال: {جَحَدُواْ بآيات رَبّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ} لأنهم إذا عصوا رسولهم فقد عصوا جميع رسل الله، {لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّن رُّسُلِهِ} [البقرة: 285] قيل لم يرسل إليهم إلا هود وحده. {كُلّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} يريد رؤساءهم وكبراءهم ودعاتهم إلى تكذيب الرسل. ومعنى اتباع أمرهم: طاعتهم. ولما كانوا تابعين لهم دون الرسل جعلت اللعنة تابعة لهم في الدارين تكبهم على وجوههم في عذاب الله...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما تمت قصتهم على هذا الوجه البديع والأسلوب المطرب، قال تعالى عاطفاً على قوله {تلك من أنباء الغيب}: {وتلك عاد} أي قصة القوم البعداء البغضاء، ما كنت تعلمها على هذا التفصيل أنت ولا قومك ولا أهل الكتاب، وإنما نفيت عن أهل الكتاب لأنهم لا يعلمون إلا ما له أصل عن أنبيائهم، وهذه وقصة ثمود ليستا في التوراة ولا شيء من أسفار أنبيائهم، وسألت بعض علمائهم فلم أجد عنده شيئاً من علمها ولا حرفاً واحداً ولا سمع بعاد ولا هود، وتلخيص قصتهم أنهم {جحدوا} أي كذبوا عناداً و استهانة {بآيات ربهم} المحسن إليهم {وعصوا رسله}... {واتبعوا} أي بغاية جهدهم {أمر كل جبار} أي قاهر بليغ القهر يجبر غيره على ما يريد، وهذا يدل على أنه لا عذر في أصل الدين بوجه فإن الضمائر لا يعلمها إلا الله فيمكن كل أحد مخالفة الجبار فيه {عنيد*} أي طاغ باغ لا يقبل الحق بوجه، فأهلكوا ولم يمنعهم تجبرهم ولا أغنى عنهم عنادهم وتكبرهم...
محاسن التأويل للقاسمي 1332 هـ :
{وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله} تأنيث اسم الإشارة، باعتبار القبيلة. وصيغة البعيد لتحقيرهم، أو لتنزيلهم منزلة البعيد، لعدمهم. وإذا كانت الإشارة لمصارعهم، فهي للبعيد المحسوس.
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
{وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم} أي كفروا بجنس الآيات التي يؤيد بها رسله بجحود ما جاءهم به رسولهم منها، أنث الإشارة إليهم على إرادة القبيلة وقيل إشارة إلى آثارهم، والجحود بالآيات تكذيب الدلائل الواضحة عنادا في الظاهر دون الباطن، كما قال في قوم فرعون {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا} [النمل: 14] {وعصوا رسله} أي عصوا جنسهم بعصيان رسوله إليهم وإنكار رسالته فإن عصيان الواحد عصيان للجنس كله، إذ هو مبني على رفض الرسالة نفسها، بادعاء أن الرسول لا يكون بشرا {واتبعوا أمر كل جبار عنيد} أي واتبع سوادهم ودهماؤهم كل جبار عنيد من رؤسائهم الطغاة العتاة المستبدين فيهم بالقهر، فالجبار القاهر الذي يجبر غيره على اتباعه بالقهر والإذلال، أو من يجبر نقص نفسه بالكبر ودعوى العظمة، والعنيد الطاغي الذي يأبى الحق ولا يذعن له وإن ظهر له وقام عليه الدليل عنده...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
الآن وقد هلكت عاد. يشار إلى مصرعها إشارة البعد، ويسجل عليها ما اقترفت من ذنب، وتشيع باللعنة والطرد، في تقرير وتكرار وتوكيد:... (وتلك عاد).. بهذا البعد. وقد كان ذكرهم منذ لحظة في السياق، وكان مصرعهم معروضا على الأنظار.. ولكنهم انتهوا وبعدوا عن الأنظار والأفكار.. (وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله).. وهم عصوا رسولا واحدا. ولكن أليست هي رسالة واحدة جاء بها الرسل جميعا؟ فمن لم يسلم لرسول بها فقد عصى الرسل جميعا. ولا ننسى أن هذا الجمع في الآيات وفي الرسل مقصود من ناحية أسلوبية أخرى لتضخيم جريمتهم وإبراز شناعتها. فهم جحدوا آيات، وهم عصوا رسلا. فما أضخم الذنب وما أشنع الجريمة! (واتبعوا أمر كل جبار عنيد).. أمر كل متسلط عليهم، معاند لا يسلم بحق، وهم مسؤولون أن يتحرروا من سلطان المتسلطين، ويفكروا بأنفسهم لأنفسهم. ولا يكونوا ذيولا فيهدروا آدميتهم. وهكذا يتبين أن القضية بين هود وعاد كانت قضية ربوبية الله وحده لهم والدينونة لله وحده من دون العباد.. كانت هي قضية الحاكمية والاتباع.. كانت هي قضية: من الرب الذي يدينون له ويتبعون أمره؟ يتجلى هذا في قول الله تعالى: (وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله، واتبعوا أمر كل جبار عنيد).. فهي المعصية لأمر الرسل والاتباع لأمر الجبارين! والإسلام هو طاعة أمر الرسل -لأنه أمر الله- ومعصية أمر الجبارين. وهذا هو مفرق الطريق بين الجاهلية والإسلام وبين الكفر والإيمان.. في كل رسالة وعلى يد كل رسول. وهكذا يتبين أن دعوة التوحيد تصر أول ما تصر على التحرر من الدينونة لغير الله؛ والتمرد على سلطان الأرباب الطغاة؛ وتعد إلغاء الشخصية والتنازل عن الحرية، واتباع الجبارين المتكبرين جريمة شرك وكفر يستحق عليها الخانعون الهلاك في الدنيا والعذاب في الآخرة.. لقد خلق الله الناس ليكونوا أحرارا لا يدينون بالعبودية لأحد من خلقه، ولا ينزلون عن حريتهم هذه لطاغية ولا رئيس ولا زعيم. فهذا مناط تكريمهم. فإن لم يصونوه فلا كرامة لهم عند الله ولا نجاة. وما يمكن لجماعة من البشر أن تدعي الكرامة، وتدعي الإنسانية، وهي تدين لغير الله من عباده. والذين يقبلون الدينونة لربوبية العبيد وحاكميتهم ليسوا بمعذورين أن يكونوا على أمرهم مغلوبين. فهم كثرة والمتجبرون قلة. ولو أرادوا التحرر لضحوا في سبيله بعض ما يضحونه مرغمين للأرباب المتسلطين من ضرائب الذل في النفس والعرض والمال...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
جملة {جحدوا} خبر عن اسم الإشارة. وهو وما بعده تمهيد للمعطوف وهو {وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة} لزيادة تسجيل التّمهيد بالأجرام السّابقة، وهو الذي اقتضاه اسم الإشارة كما تقدّم، لأنّ جميع ذلك من أسباب جمع العذابين لهم. والجحد: الإنكار الشّديد، مثل إنكار الواقعات والمشاهدات. وهذا يدلّ على أنّ هوداً أتاهم بآيات فأنكروا دلالتها. وعدي {جَحدوا} بالباء مع أنّه متعدّ بنفسه لتأكيد التّعدية، أو لتضمينه معنى كفروا فيكون بمنزلة ما لو قيل: جحدوا آيات ربّهم وكفروا بها، كقوله: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم} [النمل: 14]. وجمع الرسل في قوله: {وعصَوا رُسلَه} وإنّما عَصَوْا رَسولاً واحداً، وهو هود عليه السّلام لأنّ المراد ذكر إجرامهم فناسب أن يناط الجرم بعصيان جنس الرسل لأن تكذيبهم هوداً لم يكن خاصاً بشخصه لأنهم قالوا له: {وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك} [هود: 53]، فكل رسول جاء بأمر ترك عبادة الأصنام فهم مكذبون به. ومثله قوله تعالى: {كذّبت عادٌ المرسلين} [الشعراء: 123]...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
تلك هي قصة العذاب الذي ينزله الله بعباده نتيجة لأسباب تستدعيه، فإن الله يعذب الجاحدين بآياته، العاصين رسله بعد إقامة الحجة عليهم بما لا يدع لهم مجالاً لريب أو لشبهة، المستسلمين للجبابرة الطغاة المعاندين للحق، في ما يأمرونهم به من الكفر والضلال، فإذا وقفوا بين أمر الله، وأمر هؤلاء، تركوا أمر الله، واتبعوا أمرهم، وهم يعلمون، بوحي فطرتهم، أن ما يدعوهم إليه الله هو الحق، وأنّ ما يدعو إليه هؤلاء هو الباطل، ولكنهم يضعفون أمامهم، وتتساقط مواقفهم بسقوط إرادتهم، والله سبحانه لا يرى للضعفاء عذراً في الاستسلام لحالة الضعف أمام الأقوياء، إذا استطاعوا أن يأخذوا بأسباب القوة، ولو بالانتقال إلى موقع آخر يمكنهم من ذلك. وفي هذه الفقرة إيحاءٌ بأن الغالب في ضلال الشعوب المستضعفة، هو سيطرة القوى المستكبرة التي تقودها إلى ذلك، كظاهرة من الظواهر الاجتماعية لتفاوت مواقع القوّة والضعف بين الناس على أكثر من مستوى في بعض المجتمعات...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
فأيّ ذنب أعظم من هذه الذنوب: ترك الإِيمان، ومخالفة الأنبياء، والخضوع لطاعة كل جبار عنيد؟