التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (190)

وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ هذه الآيات العشر من آخر آل عمران إذا قام من الليل لتهجده فقد روى البخارى - رحمه الله – عن ابن عباس - رضى الله عنهما - قال : بت عند خالتى ميمونة ، فتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعة ثم رقد : فلما كان ثلث الليل الآخر قعد فنظر إلى السماء فقال : { إِنَّ فِي خَلْقِ السماوات والأرض } . . . الآيات .

ثم قام فتوضأ واستن ، ثم صلى إحدى عشرة ركعة ، ثم أذن بلال فصلى ركعتين ثم خرج فصلى بالناس الصبح .

وروى مسلم وأبو داود والنسائي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات ليلة بعد ما مضى شطر من الليل فنظر إلى السماء وتلا هذه الآية { إِنَّ فِي خَلْقِ السماوات والأرض } إلى آخر السورة .

ثم قال : " اللهم اجعل فى قلبى نوراً ، وفى سمعى نوراً ، وفى بصرى نوراً ، وعن يمينى نوراً ، وعن شمالى نوراً ، ومن بين يدى نوراً ، ومن خلفى نوراً ، ومن فوقى نوراً ، ومن تحتى نوراً . وأعظم لى نوراً يوم القيامة " .

وروى ابن مردويه عن عطاء قال : " انطلقت أنا وابن عمر وعبيد بن عمير إلى عائشة - رضى الله عنها - فدخلنا عليها وبيننا وبينها حجاب فقال لها ابن عمر : أخبرينا بأعجب ما رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فبكت وقالت : كل أمره كان عجبا ! ! أتانى فى ليلتى حتى مسَّ جلده جلدى ثم قال : يا عائشة : ذرينى أتعبد لربى - عز وجل - قالت : فقلت والله أنى لأحب قربك وإنى أحب أن تعبد ربك .

فقام إلى القربة فتوضأ ولم يكثر صب الماء ، ثم قام يصلى فبكى حتى بل لحيته ، ثم سجد فبكى حتى بل الأرض ، ثم اضطجع على جنبه فبكى . ثم إذا أتى بلال يؤذنه بصلاة الصبح قالت : فقال : يا رسول الله ما يبكيك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال : ويحك يا بلال ! ! وما يمنعنى أن أبكى وقد أنزل الله على هذه الليلة : { إِنَّ فِي خَلْقِ السماوات والأرض } إلخ الآيات .

ثم قال : ويل لمن يقرأها ولم يتفكر فيها " .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (190)

قال الطبراني : حدثنا الحسن بن إسحاق التُسْتَرِي ، حدثنا يحيى الحِمَّاني ، حدثنا يعقوب القُمِّي ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جُبَيْر ، عن ابن عباس قال : أتت قريش اليهود فقالوا : بم جاءكم موسى ؟ قالوا : عصاه ويده بيضاء للناظرين . وأتوا النصارى فقالوا : كيف كان عيسى ؟ قالوا : كان يُبْرِئُ الأكمه والأبرص ويُحيي الموتى : فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : ادع لنا ربك يجعل لنا الصَّفا ذَهَبًا . فدعا ربه ، فنزلت هذه الآية : { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأولِي الألْبَابِ } فليتفكروا فيها{[6358]} وهذا مُشْكل ، فإن هذه الآية مدنية . وسؤالهم أن يكون الصفا ذهبا كان بمكة . والله أعلم .

ومعنى الآية أنه يقول تعالى : { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ } أي : هذه في ارتفاعها واتساعها ، وهذه في انخفاضها وكثافتها واتضاعها{[6359]} وما فيهما من الآيات المشاهدة العظيمة من كواكب سيارات ، وثوابتَ وبحار ، وجبال وقفار وأشجار ونبات وزروع وثمار ، وحيوان ومعادن ومنافع ، مختلفة الألوان والطعوم والروائح والخواص { وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ } أي : تعاقبهما وتَقَارضهما الطول والقصر ، فتارة يطُول هذا ويقصر هذا ، ثم يعتدلان ، ثم يأخذ هذا من هذا فيطول الذي كان قصيرا ، ويقصر الذي كان طويلا وكل ذلك تقدير العزيز الحكيم{[6360]} ؛ ولهذا قال : { لأولِي الألْبَابِ } أي : العقول التامة الذكية التي تدرك الأشياء بحقائقها على جلياتها ، وليسوا كالصم البُكْم الذين لا يعقلون الذين قال الله [ تعالى ]{[6361]} فيهم : { وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ . وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ } [ يوسف : 105 ، 106 ] .

/خ194


[6358]:في المعجم الكبير للطبراني (12322) وقال الهيثمي في المجمع (6/332): "وفيه يحيى الحماني وهو ضعيف".
[6359]:في أ: "وكشافتها وإيضاعها".
[6360]:في جـ، أ، و: "العليم".
[6361]:زيادة من و.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (190)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ إِنّ فِي خَلْقِ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلاَفِ الْلّيْلِ وَالنّهَارِ لاَيَاتٍ لاُوْلِي الألْبَابِ } .

وهذا احتجاج من الله تعالى ذكره على قائل ذلك وعلى سائر خلقه بأنه المدبر المصرف الأشياء ، والمسخر ما أحب ، وإن الإغناء والإفقار إليه وبيده ، فقال جل ثناؤه : تدبروا أيها الناس ، واعتبروا ففيما أنشأته فخلقته من السموات والأرض لمعاشكم وأقواتكم وأرزاقكم ، وفيما عقّبت بينه من الليل والنهار ، فجعلتهما يختلفان ويعتقبان عليكم ، تتصرفون في هذا لمعاشكم ، وتسكنون في هذا راحة لأجسادكم ، معتبرٌ ومدّكر ، وآيات وعظات . فمن كان منكم ذا لب وعقل ، يعلم أن من نسبني إلى أني فقير وهو غني كاذب مفتر ، فإن ذلك كله بيدي أقلبه وأصرفه ، ولو أبطلت ذلك لهلكتم ، فكيف ينسب فقر إلى من كان كل ما به عيش ما في السموات والأرض بيده وإليه ! أم كيف يكون غنيا من كان رزقه بيد غيره ، إذا شاء رزقه ، وإذا شاء حرمه ! فاعتبروا يا أولي الألباب .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (190)

ثم دل على مواضع النظر والعبرة ، حيث يقع الاستدلال على الصانع بوجود السماوات والأرضين والمخلوقات دال على العلم ، ومحال أن يكون موجود عالم مريد غير حي ، فثبت بالنظر في هذه الآية عظم الصفات{[3782]} .

{ واختلاف الليل والنهار } هو تعاقبهما ، إذ جعلهما الله خلفة ، ويدخل تحت لفظة الاختلاف كونهما يقصر هذا ويطول الآخر وبالعكس ، ويدخل في ذلك اختلافهما بالنور والظلام ، و «الآيات » : العلامات و { الألباب } في هذه الآية : هي ألباب التكليف لا ألباب التجربة ، لأن كل من له علوم ضرورية يدركها فإنه يعلم ضرورة ما قلناه من صفات الله تعالى .


[3782]:- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآيات العشر من آخر (آل عمران) إذا قام يتهجد في الليل، وهي قوله تعالى {إن في خلق السماوات والأرض}. فقد روى البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة- عن ابن عباس قال: (بتّ عند خالتي ميمونة، فتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعة ثم رقد، فلما كان ثلث الليل الآخر قعد، فنظر إلى السماء فقال: {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب}- ثم قام فتوضأ واستنّ فصلّى إحدى عشرة ركعة، ثم أذّن بلال فصلّى ركعتين، ثم خرج فصلّى بالناس الصبح).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (190)

هذا غرض أُنف بالنسبة لما تتابع من أغراض السورة ، انتُقل به من المقدّمات والمقصد والمتخلِّلات بالمناسبات ، إلى غرض جديد هو الاعتبار بخلق العوالم وأعراضها والتنويه بالذين يعتبرون بما فيها من آيات .

ومِثْل هذا الانتقال يكون إيذاناً بانتهاء الكلام على أغراض السورة ، على تفنّنها ، فقد كان التنقّل فيها من الغرض إلى مشاكله وقد وقع الانتقال الآن إلى غرض عامّ : وهو الاعتبار بخلق السماوات والأرض وحال المؤمنين في الاتّعاظ بذلك ، وهذا النحو في الانتقال يعرض للخطيب ونحوه من أغراضه عقب إيفائها حقّها إلى غرض آخر إيذاناً بأنّه أشرف على الانتهاء ، وشأن القرآن أن يختم بالموعظة لأنّها أهمّ أغراض الرسالة ، كما وقع في ختام سورة البقرة .

وحرف ( إنّ ) للاهتمام بالخبر .

والمراد ب { خلْق السماوات والأرض } هنا : إمّا آثار خَلْقِها ، وهو النظام الذي جعل فيها ، وإمّا أن يراد بالخلق المخلوقات كقوله تعالى : { هذا خلق اللَّه } [ لقمان : 11 ] . و { أولو الألباب } أهل العقول الكاملة لأنّ لبّ الشيء هو خلاصته . وقد قدّمنا في سورة البقرة بيان ما في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار من الآيات عند قوله تعالى : { إن في خلق السموات والأرض واختلاف اللَّيل والنهار والفلك } [ البقرة : 164 ] إلخ .