ثم بين - سبحانه - ألوانا أخرى من نعيمهم فقال : { فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطرف لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ } .
وقوله - سبحانه - : { قَاصِرَاتُ الطرف } صفة لموصوف محذوف . والطمث : كناية عن افتضاض البكارة . يقال : طمث الرجل امرأته - من باب ضرب وقتل - ، إذا أزال بكارتها . وأصل الطمث : الجماع المؤدى إلى خروج دم الفتاة البكر ، ثم أطلق على كل جماع وإن لم يكن معه دم .
أى : فى هاتين الجنتين اللتين أعدهما - سبحانه - لمن خاف مقامه . . . نساء قاصرات عيونهم على أزواجهن ، ولا يتلفتن إلى غيرهم . وهؤلاء النساء من صفاتهن - أيضا - أنهن أبكار ، لم يلمسهن ولم يزل بكارتهن أحد قبل هؤلاء الأزواج . . . وكأن هؤلاء النساء فى صفائهن وجمالهن وحمرة خدودهن . . . الياقوت والمرجان .
ثم قال ينعتهن للخطاب : { كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ } ، قال مجاهد ، والحسن ، [ والسدي ] {[27929]} ، وابن زيد ، وغيرهم : في صفاء الياقوت وبياض المرجان ، فجعلوا المرجان هاهنا اللؤلؤ .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن حاتم ، حدثنا عُبِيدة بن حُمَيْد ، عن عطاء بن السائب ، عن عمرو بن ميمون الأودي {[27930]} ، عن عبد الله بن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن المرأة من نساء أهل الجنة ليُرى بياض ساقها من وراء سبعين حلة من الحرير {[27931]} ، حتى يرى مخها ، وذلك أن الله تعالى يقول : { كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ } ، فأما الياقوت فإنه حَجَرٌ لو أدخلت فيه سلكا ثم استصفيته لرأيته من ورائه " .
وهكذا رواه الترمذي من حديث عُبَيْدَة بن حميد وأبي الأحوص ، عن عطاء بن السائب ، به {[27932]} . ورواه موقوفا ، ثم قال : وهو أصح {[27933]} .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، أخبرنا يونس ، عن محمد بن سِيرِين ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " للرجل من أهل الجنة زوجتان من الحور العين ، على كل واحدة سبعون حلة ، يُرى مخ ساقها من وراء الثياب " .
تفرد به الإمام أحمد من هذا الوجه {[27934]} . وقد رواه مسلم من حديث إسماعيل بن عُلَيَّة ، عن أيوب ، عن محمد بن سيرين قال : إما تفاخروا وإما تذكروا ، الرجال أكثر في الجنة أم النساء ؟ فقال أبو هريرة : أو لم يقل أبو القاسم صلى الله عليه وسلم : " إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر ، والتي تليها على أضْوَأ كوكب دُرّي في السماء ، لكل امرئ منهم زوجتان اثنتان ، يُرَى مخ سوقهما من وراء اللحم ، وما في الجنة أعزب " {[27935]} .
وهذا الحديث مُخَرّجٌ في الصحيحين ، من حديث هَمّام بن مُنَبّه وأبي زُرْعَة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه {[27936]} .
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو النضر ، حدثنا محمد بن طلحة ، عن حميد عن أنس ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لَغَدْوَةٌ في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها ، وَلَقَابُ قوس أحدكم - أو موضع قيده {[27937]} - يعني : سوطه - من الجنة خير من الدنيا وما فيها ، ولو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الأرض لملأت ما بينهما ريحا ، ولطاب ما بينهما ، ولنَصِيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها " .
ورواه البخاري من حديث أبي إسحاق ، عن حميد ، عن أنس بنحوه {[27938]} .
القول في تأويل قوله تعالى : { كَأَنّهُنّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ * فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ * هَلْ جَزَآءُ الإِحْسَانِ إِلاّ الإِحْسَانُ * فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } .
يقول تعالى ذكره كأن هؤلاء القاصرات الطرف اللواتي هنّ في هاتين الجنتين في صفائهن الياقوت الذي يرى السلك الذي فيه من ورائه ، فكذلك يرى مخّ سوقهنّ من وراء أجسامهنّ ، وفي حسنهنّ الياقوت والمرجان . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر الأثر الذي رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك :
حدثني محمد بن حاتم ، قال : حدثنا عبيدة ، عن حُمَيد ، عن عطاء بن السائب ، عن عمرو بن ميمون ، عن ابن مسعود عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «إنّ المَرأةَ مِنْ أهْل الجَنّةِ لَيُرَى بَياضُ ساقِها مِنْ وَرَاءِ سَبْعِينَ حُلّةً مِنْ حَرِيرٍ ومُخّها ، وذلكَ أنّ اللّهَ تَبارَكَ وَتَعالى يَقُولُ : كأنّهُنّ الياقُوتُ وَالمَرْجانُ أمّا الياقُوتُ فإنّهُ لَوْ أدْخَلْتَ فِيهِ سِلْكا ثُمّ اسْتَصْفَيْتَهُ لرأيْتَهُ مِنْ وَرَائِهِ » .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن عطاء بن السائب ، عن عمرو بن ميمون ، قال : قال ابن مسعود : إن المرأة من أهل الجنة لتلبس سبعين حلة من حرير ، يرى بياض ساقها وحسن ساقها من ورائهنّ ، ذلكم بأن الله يقول : كأنّهُنّ الياقُوتُ وَالمَرْجانُ ألا وإنما الياقوت حجر فلو جعلت فيه سلكا ثم استصفيته ، لنظرت إلى السلك من وراء الحجر .
قال : ثنا ابن علية ، قال : حدثنا أبو رجاء ، عن الحسن ، في قوله : كأنّهُنّ الياقُوتُ والمَرْجانُ في بياض المرجان .
حدثنا أبو هشام الرفاعي ، قال : حدثنا ابن فضيل ، قال : حدثنا عطاء بن السائب ، عن عمرو بن ميمون ، قال : أخبرنا عبد الله : إن المرأة من أهل الجنة لتلبس سبعين حلة من حرير ، فيرى بياض ساقها وحسنه ، ومخّ ساقها من وراء ذلك ، وذلك لأن الله قال : كأنّهُنّ الياقُوتُ وَالمَرْجانُ ألا ترى أن الياقوت حجر فإذا أدخلت فيه سلكا ، رأيت السلك من وراء الحجر .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، قال : «إن المرأة من الحور العين لتلبس سبعين حلة ، فيرى مخّ ساقها كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء » .
حدثني محمد بن عبيد المحاربيّ ، قال : حدثنا المطلب بن زياد ، عن السديّ ، في قوله : كأنّهُنّ الياقُوتُ وَالمَرْجانُ قال : صفاء الياقوت وحسن المرجان .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة كأنّهُنّ الياقُوتُ وَالمَرْجانُ صفاء الياقوت في بياض المرجان . ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قال : «مَنْ دَخَلَ الجَنّةَ فَلَهُ فِيها زَوْجَتانِ يُرَى مُخّ سُوقِهِما مِنْ وَرَاءِ ثِيابِهِما » .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن مروان ، قال : حدثنا أبو العوّام ، عن قتادة كأنّهُنّ الياقُوتُ وَالمَرْجانُ قال : شبّه بهنّ صفاء الياقوت في بياض المرجان .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة كأنّهُنّ الياقُوتُ وَالمَرْجانُ في صفاء الياقوت وبياض المرجان .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : كأنّهُنّ الياقُوتُ وَالمَرْجانُ قال : كأنهنّ الياقوت في الصفاء ، والمرجان في البياض ، الصفاء : صفاء الياقوتة ، والبياض : بياض اللؤلؤ .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان كأنّهُنّ الياقُوتُ وَالمَرْجانُ قال : في صفاء الياقوت وبياض المرجان .
{ الياقوت والمرجان } : هي من الأشياء التي قد برع حسنها واستشعرت النفوس جلالتها ، فوقع التشبيه بها لا في جميع الأوصاف لكن فيما يشبه ويحسن بهذه المشبهات ، ف { الياقوت } في إملاسه{[10848]} وشفوفه ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في صفة المرأة من نساء أهل الجنة : «يرى مخ ساقها من وراء العظم »{[10849]} { والمرجان } في إملاسه وجمال منظره ، وبهذا النحو من النظر سمت العرب النساء بهذه الأشياء كدرة بنت أبي لهب . ومرجانة أم سعيد وغير ذلك .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم نعتهن، فقال: {كأنهن} في الشبه في صفاء {الياقوت} الأحمر {و} في بياض {والمرجان} يعني الدر العظام...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره كأن هؤلاء القاصرات الطرف اللواتي هنّ في هاتين الجنتين في صفائهن الياقوت الذي يرى السلك الذي فيه من ورائه، فكذلك يرى مخّ سوقهنّ من وراء أجسامهنّ، وفي حسنهنّ الياقوت والمرجان.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
كالياقوت في الحسن والصفاء والنور...
المرجان أشد اللؤلؤ بياضا وهو صغاره.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{الياقوت والمرجان}: هي من الأشياء التي قد برع حسنها واستشعرت النفوس جلالتها، فوقع التشبيه بها لا في جميع الأوصاف لكن فيما يشبه ويحسن بهذه المشبهات، ف {الياقوت} في إملاسه وشفوفه... {والمرجان} في إملاسه وجمال منظره، وبهذا النحو من النظر سمت العرب النساء بهذه الأشياء كدرة بنت أبي لهب. ومرجانة أم سعيد وغير ذلك.
...إن قلنا: إن التشبيه لبيان صفائهن، فنقول: فيه لطيفة هي أن قوله تعالى: {قاصرات الطرف} إشارة إلى خلوصهن عن القبائح، وقوله: {كأنهن الياقوت والمرجان} إشارة إلى صفائهن في الجنة، فأول ما بدأ بالعقليات وختم بالحسيات، كما قلنا: إن التشبيه لبيان مشابهة جسمهن بالياقوت والمرجان في الحمرة والبياض، فكذلك القول فيه حيث قدم بيان العفة على بيان الحسن ولا يبعد أن يقال: هو مؤكد لما مضى لأنهن لما كن قاصرات الطرف ممتنعات عن الاجتماع بالإنس والجن لم يطمثهن فهن كالياقوت الذي يكون في معدنه والمرجان المصون في صدفه لا يكون قد مسه يد لامس، وقد بينا مرة أخرى في قوله تعالى: {كأنهن بيض مكنون} أن كأن الداخلة على المشبه به لا تفيد من التأكيد ما تفيده الداخلة على المشبه، فإذا قلت: زيد كالأسد، كان معناه زيد يشبه الأسد، وإذا قلت كأن زيدا الأسد فمعناه يشبه أن زيدا هو الأسد حقيقة، لكن قولنا: زيد يشبه الأسد ليس فيه مبالغة عظيمة، فإنه يشبهه في أنهما حيوانان وجسمان وغير ذلك، وقولنا: زيد يشبه لا يمكن حمله على الحقيقة، أما من حيث اللفظ فنقول: إذا دخلت الكاف على المشبه به، وقيل: إن زيدا كالأسد عملت الكاف في الأسد عملا لفظيا والعمل اللفظي مع العمل المعنوي، فكأن الأسد عمل به عمل حتى صار زيدا، وإذا قلت: كأن زيدا الأسد تركت الأسد على إعرابه فإذن هو متروك على حاله وحقيقته وزيد يشبه به في تلك الحال ولا شك في أن زيدا إذا شبه بأسد هو على حاله باق يكون أقوى مما إذا شبه بأسد لم يبق على حاله، وكأن من قال: زيد كالأسد نزل الأسد عن درجته فساواه زيد، ومن قال: كأن زيدا الأسد رفع زيدا عن درجته حتى ساوى الأسد، وهذا تدقيق لطيف.
لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن 741 هـ :
لأن أحسن الألوان البياض المشوب بحمرة...يدل على صحة ذلك ما روي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إن المرأة من نساء أهل الجنة ليرى بياض ساقها من وراء سبعين حلة حتى يرى مخها وذلك لأن الله تعالى يقول كأنهن الياقوت والمرجان فأما الياقوت فإنه حجر لو أدخلت فيه سلكاً ثم استصفيته لرأيته من ورائه» أخرجه الترمذي...
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، أخبرنا يونس، عن محمد بن سِيرِين، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "للرجل من أهل الجنة زوجتان من الحور العين، على كل واحدة سبعون حلة، يُرى مخ ساقها من وراء الثياب". تفرد به الإمام أحمد من هذا الوجه. وقد رواه مسلم من حديث إسماعيل بن عُلَيَّة، عن أيوب، عن محمد بن سيرين قال: إما تفاخروا وإما تذكروا، الرجال أكثر في الجنة أم النساء؟ فقال أبو هريرة: أو لم يقل أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: " إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والتي تليها على أضْوَأ كوكب دُرّي في السماء، لكل امرئ منهم زوجتان اثنتان، يُرَى مخ سوقهما من وراء اللحم، وما في الجنة أعزب". وهذا الحديث مُخَرّجٌ في الصحيحين، من حديث هَمّام بن مُنَبّه وأبي زُرْعَة، عن أبي هريرة رضي الله عنه. وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو النضر، حدثنا محمد بن طلحة، عن حميد عن أنس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لَغَدْوَةٌ في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها، وَلَقَابُ قوس أحدكم -أو موضع قيده- يعني: سوطه -من الجنة خير من الدنيا وما فيها، ولو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الأرض لملأت ما بينهما ريحا، ولطاب ما بينهما، ولنَصِيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها". ورواه البخاري من حديث أبي إسحاق، عن حميد، عن أنس بنحوه.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما دل ما تقدم من وصف المستمتع بهن بالعزة والنفاسة، زاده على وجه أفاد أنه يكون بهن غاية ما يكون من سكون النفس وقوة القلب وشدة البدن واعتدال الدم وغير ذلك من خواص ما شبههن به فقال: {كأنهن الياقوت}.