التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (114)

ثم وصفهم - سبحانه - بصفات أخرى كريمة فقال : { يُؤْمِنُونَ بالله } والمراد بهذا الإيمان بجميع ما يجب الإيمان به على الوجه المقبول الذى نطق به الشرع ، وجاء به محمد صلى الله عليه وسلم .

{ واليوم الآخر } أى ويؤمنون باليوم الآخر وما فيه من ثواب وعقاب وجنة ونار وقوله : { وَيَأْمُرُونَ بالمعروف وَيَنْهَوْنَ عَنِ المنكر } إشعار بأنهم لم يكتفوا بتكميل أنفسهم بالفضائل التى من أشرفها الإيمان بالله واليوم الآخر ، والإكثار من إقامة الصلاة ومن تلاوة القرآن ، بل أضافوا إلى ذلك إرشاد غيرهم إلى الخير الذى أمر الله به ، ونهيه عن الباطل الذى يبغضه الله ، وتستنكره العقول السليمة .

وقوله - تعالى - { وَيُسَارِعُونَ فِي الخيرات } أى يبادرون إلى فعل الخيرات والطاعات التى ترفع درجاتهم عند الله - بدون تردد أو تقصير .

وقال - سبحانه - : { وَيُسَارِعُونَ فِي الخيرات } ولم يقل إلى الخيرات للإشعار بأنهم مستقرون فى كل أعمالهم فى طريق الخير ، فهم ينتقلون من خير إلى خير فى دائرة واحدة هى دائرة الخير ، ينتقلون بين زواياها وأقطارها ولا يخرجون منها . فهم لا ينتقلون مسارعين من شر إلى خير . وإنما ينتقلون مسارعين من خير إلى خير وهذا هو سر التعبير بفى المفيدة للظرفية .

والمسارعة فى الخير هى فرط الرغبة فيه ، لأن من رغب في الأمر يسارع فى توليه وفى القيام به ، واختيار صيغة المفاعلة " يسارعون " للمبالغة فى سرعة نهوضهم لهذا العمل الجامع لفنون الخير ، وألوان البر .

قال صاحب الكشاف . وقوله : { يَتْلُونَ } و { يُؤْمِنُونَ } في محل الرفع صفتان لأمة . أى : قائمة تالون مؤمنون . وصفهم بخصائص ما كانت فى اليهود من تلاوة آيات الله بالليل ساجدين ، ومن الإيمان بالله ، لأن إيمانهم به كلا إيمان ، لاشراكهم به عزيرا ، وكفرهم ببعض الكتب والرسل دون بعض : ومن الإيمان باليوم الآخر ، لأنهم يصفونه بخلاف صفته .

ومن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، لأنهم كانوا مداهنين . ومن المسارعة فى الخيرات ، لأنهم كانوا متباطئين عنها غير راغبين فيها " .

واسم الإشارة فى قوله : { وأولئك مِنَ الصالحين } يعود إلى الموصوفين بتلك الصفات السابقة من تلاوة الكتاب ومن إيمان بالله واليوم الآخر .

أى وأولئك المصوفون بتلك الصفات الجليلة الشأن من جملة الصالحين الذين صلحت أحوالهم عند الله ورضيهم ، واستحقوا ثناءه عليهم .

وفى التعبير بقوله : { مِنَ الصالحين } إشارة إلى أنهم بهذه المزايا وتلك الصفات ، قد انسلخوا من عداد أهل الكتاب الذين ذمهم الله - تعالى - ووصفهم بأن أكثرهم من الفاسقين .

فهم بسبب إيمانهم وأفعالهم الحميدة قد خرجوا من صفوف المذمومين إلى صفوف الممدوحين .

قال الفخر الرازى : وأعلم أن وصفهم بالصلاح فى غياة المدح ، ويدل عليه القرآن والمعقول . أما القرآن ، فهو أن الله - تعالى - مدح بهذا الوصف أكابر الأنبياء ، فقال بعد ذكر إدريس وإسماعيل وذى الكفل وغيرهم { وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِّنَ الصالحين } وذكر حكاية عن سليمان أنه قال : " وأدخلنى برحمتك فى عبادك الصالحين " . وأما المعقول ، فهو أن الصلاح ضد الفساد ، وكل ما لا ينبغى أن يكون فهو فساد ، سواء كان ذلك فى العقائد أو فى الأعمال ، فإذا كان كل ما حصل من باب ما ينبغى أن يكون فقد حصل الصلاح ، فكان الصلاح دالا على أكمل الدرجات .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (114)

{ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ } وهؤلاء هم المذكورون في آخر السورة : { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ [ لا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ]{[5584]} } [ الآية199 ] وهكذا قال هاهنا : { وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ }


[5584]:زيادة من جـ، ر، أ، و، وفي الأصل: "الآية".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (114)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلََئِكَ مِنَ الصّالِحِينَ }

يعني بقوله جلّ وعزّ : { يُؤْمِنُونَ باللّهِ وَاليَوْمِ الاَخِرِ } : يصدّقون بالله ، وبالبعث بعد الممات ، ويعلمون أن الله مجازيهم بأعمالهم¹ وليسوا كالمشركين الذين يجحدون وحدانية الله ، ويعبدون معه غيره ، ويكذّبون بالبعث بعد الممات ، وينكرون المجازاة على الأعمال والثواب والعقاب . وقوله : { وَيأْمُرُونَ بالمَعْرُوفِ } يقول : يأمرون الناس بالإيمان بالله ورسوله ، وتصديق محمد صلى الله عليه وسلم ، وما جاءهم به . { وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ } يقول : وينهون الناس عن الكفر بالله ، وتكذيب محمد ، وما جارهم به من عند الله : يعني بذلك : أنهم ليسوا كاليهود والنصارى ، الذي يأمرون الناس بالكفر ، وتكذيب محمد فيما جارهم به ، وينهونهم عن المعروف من الأعمال ، وهو تصديق محمد فيما أتاهم به من عند الله : { وَيسارِعونَ فِي الخَيْراتِ } يقول : ويبتدرون فعل الخيرات خشية أن يفوتهم ذلك قبل معاجلتهم مناياهم . ثم أخبر جلّ ثناؤه أن هؤلاء الذين هذه صفتهم من أهل الكتاب هم من عداد الصالحين ، لأن من كان منهم فاسقا قد باء بغضب من الله ، لكفره بالله وآياته ، وقتلهم الأنبياء بغير حقّ ، وعصيانه ربه ، واعتدائه في حدوده .