قوله : { يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ } إمَّا استئناف ، وإما أحوال ، وجيء بالجملة الأولى اسميةً ؛ دلالةً على الاستقرار ، وصُدِّرَتْ بضميرٍ ، وثَنَّى عليه جملة فعلية ، ليتكرر الضمير ، فيزداد بتكراره توكيداً .
وجيء بالخبر مضارعاً ؛ دلالةً على تجدُّدِ السجود في كل وقت ، وكذلك جيء بالجُمَل التي بعدها أفعالاً مضارعة .
ويحتمل أن يكون { يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ } خبراً ثانياً ، لقوله : " هُمْ " ، ولذلك ترك العاطف ولو ذكره لكان جائزاً .
اعلم أن اليهود كانوا يقومون في الليل للتهجُّد ، وقراءة التوراة ، فلما مدح المؤمنين بالتهجد وقراءة القرآن أردف ذلك بقوله : { يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ } ، وقد تقدَّم أن الإيمان بالله يستلزم الإيمان بجميع أنبيائه ورُسُلِهِ ، والإيمان باليومِ الآخرِ يستلزم الحذرَ من المعاصي ، وهؤلاء اليهود كانوا ينكرون أنبياء الله ، ولا يحترزون عن معاصي الله ، لم يحصل لهم الإيمان بالمبدأ أو المعاد .
قوله : { وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر } .
قال ابن عباس : يؤمنون بتوحيد الله ، ونبوة صلى الله عليه وسلم ، وينهون عن الكفر .
وقيل : يأمرون بما ينبغي ، وينهون عَمَّا لا ينبغي .
وقوله : { وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ } فيه وجهان :
أحدهما : يتبادرون إليها خوف الفَوْتِ بالمَوْتِ .
فإن قيل : أليس أن العجلة مذمومةٌ لقوله صلى الله عليه وسلم : " الْعَجَلَةُ من الشَّيْطَانِ ، والتأنِّي من الرَّحْمَنِ{[5812]} " فما الفرق بين السرعة والعَجَلَة ؟
فالجواب : أن السرعة مخصوصة بأن يقدم ما ينبغي تقديمه ، والعجلة مخصوصة بأن يقدم ما لا ينبغي تقديمه فالمسارعة مخصوصة بفرط الرغبة فيما يتعلق بالدين ، لأن من رغب في الآخرة آثر الفَوْزَ على التراخي ، قال تعالى : { وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } [ آل عمران : 133 ] ، والعجلة - أيضاً - ليست مذمومة على الاطلاق ؛ لقوله تعالى : { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى } [ طه : 84 ] .
الوجه الثاني : يعملونها غَيْرَ متثاقلين .
قوله : { وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ } أي : الموصوفون بهذه الصفات من جملة الصالحين ، الذين صلحت أحوالهم عند الله ورضيهم ، وهذا غاية المدح من وجهين :
الأول : أن الله مدح بهذه الصفة أكابر الأنبياء ، فقال - بعد ذكر إسماعيل ، وإدريس ، وذي الكفل وغيرهم : { وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِّنَ الصَّالِحِينَ } [ الأنبياء : 86 ] ، وقال : { فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ } [ التحريم : 4 ] .
الثاني : أن الصلاح ضِدُّ الفساد ، فكل ما لا ينبغي أن يكون فهو فساد ، سواء كان ذلك في العقائد ، أو في الأعمال - وإذا كان كذلك كان كل ما ينبغي أن يكون صلاحاً ، فكان الصَّلاحُ دالاًّ على أكمل الدرجات .
قوله : { مِنَ الصَّالِحِينَ } يجوز في " من " أن تكون للتبعيض - وهو الظاهر - .
وجعلها ابن عطية لبيان الجنس ، وفيه نظر ؛ إذْ لم يتقدم مُبْهَمٌ ، فتبينه هذه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.