الصفة الرابعة : قوله { يؤمنون بالله واليوم الآخر } واعلم أن اليهود كانوا أيضا يقومون في الليالي للتهجد وقراءة التوراة ، فلما مدح المؤمنين بالتهجد وقراءة القرآن أردف ذلك بقوله { يؤمنون بالله واليوم الأخر } وقد بينا أن الإيمان بالله يستلزم الإيمان بجميع أنبيائه ورسله والإيمان باليوم الآخر يستلزم الحذر من المعاصي ، وهؤلاء اليهود ينكرون أنبياء الله ولا يحترزون عن معاصي الله ، فلم يحصل لهم الإيمان بالمبدأ والمعاد .
واعلم أن كمال الإنسان أن يعرف الحق لذاته ، والخير لأجل العمل به ، وأفضل الأعمال الصلاة وأفضل الأذكار ذكر الله ، وأفضل المعارف معرفة المبدأ ومعرفة المعاد ، فقوله { يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون } إشارة إلى الأعمال الصالحة الصادرة عنهم وقوله { يؤمنون بالله واليوم الآخر } إشارة إلى فضل المعارف الحاصلة في قلوبهم فكان هذا إشارة إلى كمال حالهم في القوة العملية وفي القوة النظرية ، وذلك أكمل أحوال الإنسان ، وهي المرتبة التي يقال لها : إنها آخر درجات الإنسانية وأول درجات الملكية .
الصفة الخامسة : قوله { ويأمرون بالمعروف } .
الصفة السادسة : قوله { وينهون عن المنكر } واعلم أن الغاية القصوى في الكمال أن يكون تاما وفوق التمام فكون الإنسان تاما ليس إلا في كمال قوته العملية والنظرية وقد تقدم ذكره ، وكونه فوق التمام أن يسعى في تكميل الناقصين ، وذلك بطريقين ، إما بإرشادهم إلى ما ينبغي وهو الأمر بالمعروف ، أو بمنعهم عما لا ينبغي وهو النهي عن المنكر ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : { يأمرون بالمعروف } أي بتوحيد الله وبنبوة محمد صلى الله عليه وسلم { وينهون عن المنكر } أي ينهون عن الشرك بالله ، وعن إنكار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، واعلم أن لفظ المعروف والمنكر مطلق فلم يجز تخصيصه بغير دليل ، فهو يتناول كل معروف وكل منكر .
الصفة السابعة : قوله { ويسارعون في الخيرات } وفيه وجهان أحدهما : أنهم يتبادرون إليها خوف الفوت بالموت ، والآخر : يعملونها غير متثاقلين . فإن قيل : أليس أن العجلة مذمومة قال عليه الصلاة والسلام : « العجلة من الشيطان والتأني من الرحمن » فما الفرق بين السرعة وبين العجلة ؟ قلنا : السرعة مخصوصة بأن يقدم ما ينبغي تقديمه ، والعجلة مخصوصة بأن يقدم ما لا ينبغي تقديمه ، فالمسارعة مخصوصة بفرط الرغبة فيما يتعلق بالدين ، لأن من رغب في الأمر ، آثر الفور على التراخي ، قال تعالى : { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم } [ آل عمران : 133 ] وأيضا العجلة ليست مذمومة على الإطلاق بدليل قوله تعالى : { وعجلت إليك رب لترضى } [ طه : 84 ] .
الصفة الثامنة : قوله { وأولئك من الصالحين } والمعنى وأولئك الموصوفون بما وصفوا به من جملة الصالحين الذين صلحت أحوالهم عند الله تعالى ورضيهم ، واعلم أن الوصف بذلك غاية المدح ويدل عليه القرآن والمعقول ، أما القرآن ، فهو أن الله تعالى مدح بهذا الوصف أكابر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فقال : بعد ذكر إسماعيل وإدريس وذي الكفل وغيرهم { وأدخلناهم في رحمتنا إنهم من الصالحين } [ الأنبياء : 86 ] وذكر حكاية عن سليمان عليه السلام أنه قال : { وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين } [ النمل : 19 ] وقال : { فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين } [ التحريم : 4 ] وأما المعقول فهو أن الصلاح ضد الفساد ، وكل ما لا ينبغي أن يكون فهو فساد ، سواء كان ذلك في العقائد ، أو في الأعمال ، فإذا كان كل ما حصل من باب ما ينبغي أن يكون ، فقد حصل الصلاح ، فكان الصلاح دالا على أكمل الدرجات .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.