التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَآبِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلصُّمُّ ٱلۡبُكۡمُ ٱلَّذِينَ لَا يَعۡقِلُونَ} (22)

ثم وصف - سبحانه - الكافر والمنافقين وأشباههم وصفاً يحمل العقلاء على النفور منهم ، فقال - تعالى - : { إِنَّ شَرَّ الدواب عِندَ الله الصم البكم الذين لاَ يَعْقِلُونَ } .

والدواب : جمع دابة وهى كل ما يدب على الأرض . قال - تعالى - : { والله خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي على بَطْنِهِ وَمِنهُمْ مَّن يَمْشِي على رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي على أَرْبَعٍ . . } قال الجمل : " وإطلاق الدابة على الإِنسان لما ذكروه في كتب اللغة من أنها تطلق على كل حيوان ولو آدميا ، وفى المصباح : الدابة كل حيوان في الأرض مميزا أو غير مميز " .

وقد روى أن هذه الآيات نزلت في نفر من بنى عبد الدار ، كانوا يقولون : نحن صم بكم عما جاء به محمد ، فقتلوا جميعا يوم بدر .

وهذا لا يمنع أن الآية الكريمة يشمل حكمها جميع المشركين والمنافقين ، إذ العبرة بعموم اللفظ ، لا بخصوص السبب .

والمعنى : إن شر ما يدب على الأرض { عِندَ الله } أى : في حكمه وقضائه ، وهم أولئك : { الصم } عن سماع الحق { البكم } عن النطق به { الذين لاَ يَعْقِلُونَ } أي لا يعلقون التمييز بينه وبين الباطل .

ووصفهم - سبحانه - بذلك مع أنهم يسمعون وينطقون ، لأنهم لم ينتفعوا بهذه الحواس ، بل استعملوها فيما يضر ويؤذى ، فكان وجودها فيهم كعدمها .

وقدم الصمم على البكم ، لأن صممهم عن سماع الحق متقدم على بكمهم فإن السكوت عن النطق بالحق من فروع عدم سماعهم له ، كما أن النطق به من فروع سماعه .

وقوله { الذين لاَ يَعْقِلُونَ } تحقيق لكمال سوء حالهم ، لأن الأصم الأبكم إذا كان له عقل ربما فهم بعض الأمور . . . أما إذا كان بجانب صممه وبكمه فاقد العقل ، فإنه في هذه الحالة يكون قد بلغ الغاية في سوء الحال . .

قال صاحب المنار : وقوله : { الذين لاَ يَعْقِلُونَ } أى : فقدوا فضيلة العقل الذي يميز بين الحق والباطل والخير والشر ، إذ لو عقولا لطلبوا ، ولو طلبوا لسمعوا وميزوا ولو سمعوا لنطقوا وبينوا ، وتذكروا وذكروا . . فهم لفقدهم منفعة العقل والسمع والنطق صاروا كالفاقدين لهذه المشاعر والقوى . . بل هم شر من ذلك لأنهم اعطيت لهم المشاعر والقوى فأفسدوها على أنفسهم لعدم استعمالها فيما خلقها الله لأجله ، فهم كما قال الشاعر :

خُلِقوا ، وما خُلِقوا لمكرمة . . . فكأنهم خلقوا وما خلقوا

رُزِقوا وما رزقوا سماح يد . . . فكأنهم رزقوا وما رزقوا

ولم يصفهم هنا بالعمى كما وصفهم في آية الأعراف وآيتى البقرة ، لأن المقام هنا مقام تعريض بالذين ردوا دعوة الإِسلام ، ولم يهتدوا بسماع آيات القرآن .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَآبِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلصُّمُّ ٱلۡبُكۡمُ ٱلَّذِينَ لَا يَعۡقِلُونَ} (22)

ثم أخبر تعالى أن هذا الضرب من بني آدم شر{[12788]} الخلق والخليقة ، فقال : { إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ }

أي : عن سماع الحق { البكم } عن فهمه ؛ ولهذا قال : { الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ } فهؤلاء شر البرية ؛ لأن كل دابة مما سواهم مطيعة لله [ عز وجل ]{[12789]} فيما خلقها له ، وهؤلاء خلقوا للعبادة فكفروا ؛ ولهذا شبههم بالأنعام في قوله : { وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلا دُعَاءً وَنِدَاءً [ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ ] } [ البقرة : 171 ] . {[12790]} وقال في الآية الأخرى : { أُولَئِكَ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ } [ الأعراف : 179 ] .

وقيل :{[12791]} المراد بهؤلاء المذكورين نَفَرٌ من بني عبد الدار من قريش . روي عن ابن عباس ومجاهد ، واختاره ابن جرير ، وقال محمد بن إسحاق : هم المنافقون .

قلت : ولا منافاة بين المشركين والمنافقين في هذا ؛ لأن كلا منهم مسلوب الفهم الصحيح ، والقصد إلى العمل الصالح .


[12788]:في ك، م، أ: "سيئ".
[12789]:زيادة من م.
[12790]:زيادة من ك، م، أ، وفي هـ: "الآية".
[12791]:في د، م: "ثم قيل".