التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالَ مُوسَىٰٓ أَتَقُولُونَ لِلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَكُمۡۖ أَسِحۡرٌ هَٰذَا وَلَا يُفۡلِحُ ٱلسَّـٰحِرُونَ} (77)

ثم حكى القرآن الكريم رد موسى - عليه السلام - على مفترياتهم فقال : { قَالَ موسى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا وَلاَ يُفْلِحُ الساحرون } .

وفى الآية الكريمة كلام محذوف دل عليه المقام ، والتقدير :

قال موسى لفرعون وملئه منكرا عليهم غرورهم وكذبهم ، { أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ } الذي هو أبعد ما يكون عن السحر ، حين مشاهدتكم له .

يا سبحانن الله ! ! أفلا عقل لكم يحجزكم عن هذا القول الذي يدل على الجهالة والغباء ، انظروا وتأملوا { أَسِحْرٌ هذا } الذي ترون حقيقته بأعينكم ، وترتجف من عظمته قلوبكم ، والحال أنه { وَلاَ يُفْلِحُ الساحرون } في أى عمل من شأنه أن يهدى إلى الخير والحق .

فقد حذفت جملة { إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ } لدلالة قوله { أَسِحْرٌ هذا } عليه .

قال صاحب الكشاف : " فإن قلت : هم قطعوا بقولهم : إن هذا لسحر مبين ، على أنه سحر فكيف قيل لهم أتقولون : أسحر هذا ؟

قلت : فيه أوجه : أن يكون معنى قوله { أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ } : أتعيبونه وتطعنون فيه ، وكان عليكم أن تذعنوا له وتعظموه ، من قولهم : فلان يخاف القالة ، وبين الناس تقاول ، إذا قال بعضهم لبعض ما يسوءه .

وأن يحذف مفعول أتقولون وهو ما دل عليه قولهم : { إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ } كأنه قيل : أتقولون ما تقولون : يعنى قولهم : إن هذا لسحر مبين ، ثم قيل : أسحر هذا ؟

وأن يكون جملة قوله " أسحر هذا ولا يفلح الساحرون " حكاية لكلامهم ، كأنهم قالوا أجئتما إلينا بالسحر تطلبان به الفلاح { وَلاَ يُفْلِحُ الساحرون . . } .

وقال الجمل : " قوله - تعالى - { قَالَ موسى أَتقُولُونَ . . } أى : قال جملا ثلاثة : الأولى : { أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَكُمْ } والثانية { أَسِحْرٌ هذا } والثالثة { وَلاَ يُفْلِحُ الساحرون } .

وقوله { الحق } أى في شأنه ولأجله ، وقوله { لَمَّا جَآءَكُمْ } أى : حين مجيئه إياكم من أول الأمر من غير تأمل وتدبر ، وهذا مما ينافي القول المذكور .

وقوله : { قَالَ موسى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَكُمْ } هنا مقول القول محذوف لدلالة ما قبله عليه ، وإِشارة إلى أنه لا ينبغي أن يتفوه به .

وقوله - سبحانه - حكاية عن موسى { أَسِحْرٌ هذا } مبتدأ وخبر ، وهو استفهام إنكار مستأنف من جهته - عليه السلام - تكذيبا لقولهم ، وتوبيخا إثر توبيخ ، وتجهيلا بعد تجهيل .

وقوله : { وَلاَ يُفْلِحُ الساحرون } جملة حالية من ضمير المخاطبين ، وقد جئ بها تأكيدا للإِنكار السابق ، وما فيه من معنى التوبيخ والتجهيل .

أى : أتقولون للحق إنه سحر ، والحال أنه لا يفلح فاعله ، أى : لا يظفر بمطلوب ، ولا ينجو من مكروه ، وأنا قد أفلحت ، وفزت بالحجة ، ونجوت من الهلكة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ مُوسَىٰٓ أَتَقُولُونَ لِلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَكُمۡۖ أَسِحۡرٌ هَٰذَا وَلَا يُفۡلِحُ ٱلسَّـٰحِرُونَ} (77)

71

( قال موسى : أتقولون للحق لما جاءكم . أسحر هذا ? ولا يفلح الساحرون ) . .

وقد حذف من استنكار موسى الأول ما دل عليه الثاني . فكأنه قال لهم : أتقولون للحق لما جاءكم : هذا سحر ? أسحر هذا ? وفي السؤال الأول استنكار لوصف الحق بالسحر ، وفي السؤال الثاني تعجيب من أن يقول أحد عن هذا إنه سحر . فالسحر لا يستهدف هداية الناس ، ولا يتضمن عقيدة ، وليس له فكرة معينة عن الألوهية وعلاقة الخلق بالخالق ؛ ولا يتضمن منهاجاً تنظيمياً للحياة . فما يختلط السحر بهذا ولا يلتبس . وما كان الساحرون ليؤدوا عملاً يستهدف مثل هذه الأغراض ، ويحقق مثل هذا الاتجاه ؛ وما كانوا ليفلحوا وكل عملهم تخييل وتزييف .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ مُوسَىٰٓ أَتَقُولُونَ لِلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَكُمۡۖ أَسِحۡرٌ هَٰذَا وَلَا يُفۡلِحُ ٱلسَّـٰحِرُونَ} (77)

جملة : { قال موسى } مجاوبة منه عن كلامهم ففُصلت من العطف على الطريقة التي استخرجناها في حكاية الأقوال ، كما تقدم في قوله تعالى : { وإذ قال ربك للملائكة ، إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها } [ البقرة : 30 ] ، ونظائره الكثيرة . تولى موسى وحده دون هارون مجادلتهم لأنه المباشر للدعوة أصالة ، ولأن المعجزات ظهرت على يديه .

واستفهام { أتقولون } إنكاري . واللام في { للحق } لام التعليل . وبعضهم يسميها لام البيان . وبعضهم يسميها لام المجاوزة بمعنى ( عن ) .

وجملة : { أسحر هذا } مستأنفة للتوبيخ والإنكار ، أنكر موسى عليهم وصفهم الآيات الحق بأنها سحر . والإشارة تفيد التعريض بجهلهم وفساد قولهم ، بأن الإشارة إلى تلك الآيات كافية في ظهور حقيقتها وأنها ليست من السحر في شيء . ولذلك كان مفعول { أتقولون } محذوفاً لدلالة الكلام عليه وهو { إنّ هذا لسحر مبين } فالتقدير : أتقولون هذا القول للحق لمَّا جاءكم . وقريب منه قوله تعالى : { قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قُلتم } [ آل عمران : 183 ] وقوله : { بَيَّت طائفة منهم غير الذي تقول } [ النساء : 81 ] .

ولما نفى موسى عن آيات الله أن تكون سحراً ارتقى فأبان لهم فساد السحر وسوء عاقبة معالجيه تحقيراً لهم ، لأنهم كانوا ينوّهون بشأن السحر . فجملة : { ولا يفلح الساحرون } معطوفة على جملة : { أسحر هذا } .

فالمعنى : هذا ليس بسحر وإنما أعلم أن الساحر لا يفلح ، أي لو كان ساحراً لما شنع حال الساحرين ، إذ صاحب الصناعة لا يحقر صناعته لأنه لو رآها محقرة لما التزمها .