التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَكَيۡفَ إِذَا تَوَفَّتۡهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ يَضۡرِبُونَ وُجُوهَهُمۡ وَأَدۡبَٰرَهُمۡ} (27)

ثم بين - سبحانه - حالهم عندما تقبض الملائكة أرواحهم فقال : { فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الملائكة يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ } .

والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها ، والاستفهام للاستعظام والتهويل ، و " كيف " منصوب بفعل محذوف هو العامل فى الظرف " إذا " .

والمراد بوجوههم : كل ما أقبل منهم ، وبأدبارهم : كل ما أدبر من أجسامهم .

أى : هؤلاء الذين ارتدوا على أدبارهم ، وقالوا ما قالوا من كفر وضلال ، كيف يكون حالهم إذا توفتهم الملائكة وقبضت أرواحهم ؟ لا شك أن حالهم سيكون أسوأ حال وأقبحه ، لأن ملائكة الموت يضربون عند قبض أرواحهم وجوه هؤلاء المنافقين وأدبارهم ، ضربا أليما موجعا .

وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { وَلَوْ ترى إِذْ يَتَوَفَّى الذين كَفَرُواْ الملائكة يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الحريق }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَكَيۡفَ إِذَا تَوَفَّتۡهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ يَضۡرِبُونَ وُجُوهَهُمۡ وَأَدۡبَٰرَهُمۡ} (27)

16

ثم التهديد السافر بجند الله ، والمتآمرون في نهاية الحياة :

( فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم ) !

وهو مشهد مفزع مهين . وهم يحتضرون . ولا حول لهم ولا قوة . وهم في نهاية حياتهم على هذه الأرض . وفي مستهل حياتهم الأخرى . هذه الحياة التي تفتتح بضرب الوجوه والأدبار . في لحظة الوفاة ، لحظة الضيق والكرب والمخافة . الأدبار التي ارتدوا عليها من بعد ما تبين لهم الهدى ! فيا لها من مأساة !

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَكَيۡفَ إِذَا تَوَفَّتۡهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ يَضۡرِبُونَ وُجُوهَهُمۡ وَأَدۡبَٰرَهُمۡ} (27)

الفاء يجوز أن تكون للتفريع على جملة { إن الذين ارتدوا على أدبارهم } [ محمد : 25 ] الآية وما بينهما متصل بقوله : { الشيطانُ سوّل لهم } [ محمد : 25 ] بناء على المحمل الأول للارتداد فيكون التفريع لبيان ما سيلحقهم من العذاب عند الموت وهو استهلال لما يتواصل من عذابهم عن مبدإ الموت إلى استقرارهم في العذاب الخالد . ويجوز على المحمل الثاني وهو أن المراد الارتداد عن القتال وتكون الفاء فصيحة فيفيد : إذا كانوا فروا من القتال هلعاً وخوفاً فكيف إذا توفتهم الملائكة ، أي كيف هلعهم ووجلهم الذي ارتدوا بهما عن القتال . وهذا يقتضي شيئين : أولهما أنهم ميّتون لا محالة ، وثانيهما أن موتتهم يصحبها تعذيب .

فالأول مأخوذ بدلالة الالتزام وهو في معنى قوله تعالى : { الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعُونا ما قتلوا قل فادْرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين } [ آل عمران : 168 ] وقولِه : { وقالوا لا تنفروا في الحرّ قل نار جهنم أشدّ حرّاً لو كانوا يفقهون } [ التوبة : 81 ] .

والثاني هو صريح الكلام وهو وعيد لتعذيب في الدنيا عند الموت .

والمقصود : وعيدهم بأنهم سيعجل لهم العذاب من أول منازل الآخرة وهو حالة الموت . ولما جعل هذا العذاب محققاً وقوعُه رتب عليه الاستفهام عن حالهم استفهاماً مستعملاً في معنى تعجيب المخاطب من حالهم عند الوفاة ، وهذا التعجيب مؤذن بأنها حالة فظيعة غير معتادة إذ لا يتعجب إلاّ من أمْر غير معهود ، والسياق يدل على الفظاعة .

و { إذا } متعلق بمحذوف دل عليه اسم الاستفهام ، تقديره : كيف حالهم أو عملهم حين تتوفاهم الملائكة .

وكثر حذف متعلّق { كيف } في أمثال هذا مقدَّراً مؤخراً عن { كيف } وعن { إذا } كقوله تعالى : { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد } [ النساء : 41 ] . والتقدير : كيف يصنعون ويحتالون .

وجعل سيبويه { كيف } في مثله ظرفاً وتبعه ابن الحاجب في الكافية . ولعله أراد الفرار من الحذف .

وجملة { يضربون وجوههم وأدبارهم } حال من { الملائكة } . والمقصود من هذه الحال : وعيدهم بهذه المِيتة الفظيعة التي قدرها الله لهم وجعل الملائكة تضرب وجوههم وأدبارهم ، أي يضربون وجوههم التي وَقَوْهَا من ضرب السيف حين فرُّوا من الجهاد فإن الوجوه مما يقصد بالضرب بالسيوف عند القتال قال الحريش القريعي ، أو العباس بن مدراس :

نعرّض للسيوف إذا التقينا *** وجوهاً لا تُعرض للنظام

ويضربون أدبارهم التي كانت محل الضرب لو قاتلوا ، وهذا تعريض بأنهم لو قاتلوا لفرُّوا فلا يقع الضرب إلا في أدبارهم .