التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِ مُوسَىٰٓۚ إِنَّهُۥ كَانَ مُخۡلَصٗا وَكَانَ رَسُولٗا نَّبِيّٗا} (51)

ثم مدح الله - تعالى - موسى - عليه السلام - وهو واحد من أولى العزم من الرسل ، وينتهى نسبه إلى إبراهيم - عليه السلام - فقال - تعالى - : { واذكر .

لفظ { مُخْلِصاً } فيه قراءتان سبعيتان ، إحداهما بفتح اللام - بصيغة اسم المفعول - أى : أخلصه الله - تعالى - لذاته ، واصطفاه ، كما قال - تعالى - : { قَالَ ياموسى إِنِّي اصطفيتك عَلَى الناس بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي . . . } والثانية بكسر اللام - بصيغة اسم الفاعل - أى : كان مخلصاً لنا فى عبادته وطاعته .

والمعنى : واذكر - أيها الرسول الكريم - للناس خبر أخيك موسى - عليه السلام - إنه كان من الذين أخلصناهم واصطفيناهم لحمل رسالتنا ، وكان من الذين أخلصوا لنا وحدنا العبادة والطاعة ، وكان - أيضاً - { رَسُولاً } من جهتنا لتبليغ ما أمرناه بتبليغه ، وكان كذلك { نَّبِيّاً } رفيع القدر ، عالى المكانة والمنزلة ، فقد جمع الله - تعالى - له بين هاتين الصفتين الساميتين صفة الرسالة وصفة النبوة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِ مُوسَىٰٓۚ إِنَّهُۥ كَانَ مُخۡلَصٗا وَكَانَ رَسُولٗا نَّبِيّٗا} (51)

ثم يمضي السياق مع ذرية إبراهيم : مستطردا مع فرع إسحق فيذكر موسى وهارون :

( واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا . وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا . ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا ) . .

فيصف موسى بأنه كان مخلصا استخلصه الله له ومحضه لدعوته . وكان رسولا نبيا . والرسول هو صاحب الدعوة من الأنبياء المأمور بإبلاغها للناس . والنبي لا يكلف إبلاغ الناس دعوة إنما هو في ذاته صاحب عقيدة يتلقاها من الله . وكان في بني إسرائيل أنبياء كثيرون وظيفتهم القيام على دعوة موسى والحكم بالتوراة التي جاء بها من عند الله : ( يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا . والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء ) . .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِ مُوسَىٰٓۚ إِنَّهُۥ كَانَ مُخۡلَصٗا وَكَانَ رَسُولٗا نَّبِيّٗا} (51)

هذا أمر من الله عز وجل بذكر { موسى } بن عمران عليه السلام على جهة التشريف ، له وأعلمه ب { إنه كان مخلصاً } ، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر «مخلِصاً » بكسر اللام وهي قراءة الجمهور أي أخلص نفسه لله ، وقرأ حمزة والكسائي وعاصم{[7978]} «مخلَصاً » بفتح اللام وهي قراءة أبي رزين ويحيى وقتادة أي أخْلَصَهُ الله للنبوءة والعبادة كما قال تعالى { إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار }{[7979]} [ ص : 46 ] . و «الرسول » من الأنبياء الذي يكلف تبليغ أمة ، وقد يكون نبياً غير رسول .


[7978]:وذلك في رواية حفص عنه.
[7979]:من الآية (46) من سورة (ص).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِ مُوسَىٰٓۚ إِنَّهُۥ كَانَ مُخۡلَصٗا وَكَانَ رَسُولٗا نَّبِيّٗا} (51)

أفضت مناسبة ذكر إبراهيم ويعقوب إلى أن يذكر موسى في هذا الموضع لأنه أشرف نبي من ذرية إسحاق ويعقوب .

والقول في جملة { واذكر } وجملة { إنه كان } كالقول في نظيريهما في ذكر إبراهيم عدا أن الجملة هنا غير معترضة بل مجرد استئناف .

وقرأ الجمهور مخلصاً بكسر اللام من أخلص القاصر إذا كان الإخلاص صفته . والإخلاص في أمر ما : الإتيانُ به غير مشوب بتقصير ولا تفريط ولا هوادة ، مشتق من الخلوص ، وهو التمحض وعدم الخلط . والمراد هنا : الإخلاص فيما هو شأنه ، وهو الرسالة بقرينة المقام .

وقرأه حمزة ، وعاصم ، والكسائي ، وخلف بفتح اللام من أخلصه ، إذا اصطفاه .

وخُص موسى بعنوان ( المخلص ) على الوجهين لأن ذلك مزيته ، فإنه أخلص في الدعوة إلى الله فاستخف بأعظم جبار وهو فرعون ، وجادله مجادلة الأكفاء ، كما حكى الله عنه في قوله تعالى في سورة الشعراء ( 18 ، 19 ) : { قال ألم نربك فينا وليداً ولبثت فينا من عمرك سنين وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين } إلى قوله : قال أولو جئتك بشيء مبين . وكذلك ما حكاه الله عنه بقوله : { قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين } [ القصص : 17 ] ، فكان الإخلاص في أداء أمانة الله تعالى ميزته . ولأن الله اصطفاه لكلامه مباشرة قبل أن يرسل إليه المَلك بالوحي ، فكان مخلَصاً بذلك ، أي مصطفى ، لأن ذلك مزيته قال تعالى { واصطنعتك لنفسي } [ طه : 41 ] .

والجمع بين وصف موسى لأنه رسول ونبيء . وعطف { نبيئاً } على { رسولاً } مع أن الرسول بالمعنى الشرعي أخص من النبي ، فلأن الرسول هو المرسلَ بوحي من الله ليبلغ إلى الناس فلا يكون الرسول إلا نبيئاً ، وأما النبي فهو المنبّأ بوحي من الله وإن لم يؤمر بتبليغه ، فإذا لم يؤمر بالتبليغ فهو نبيء وليس رسولاً ، فالجمع بينهما هنا لتأكيد الوصف ، إشارة إلى أن رسالته بلغت مبلغاً قوياً ، فقوله نبيئاً تأكيد لوصف رسولاً .

وتقدم اختلاف القراء في لفظ نبيئاً عند ذكر إبراهيم .